ثلاث ملاحظات.. واحفظوا هذا الاسم: يائير غولان

عماد شقور

حرير- كل واحدة من الملاحظات الثلاث جديرة بأن تكون مقالا واسعا، كذلك هو موضوع يائير غولان.

الملاحظة الأولى خاصة برئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وبما يتخبط به لإنقاذ نفسه من دفع فاتورة إذلال وإهانة إسرائيل وجيشها “الذي لا يقهر”، وكل أجهزة أمنها العسكري والمدني “التي تعرف كل شيء عن كل دولة وحاكم ومسؤول في شمال الكرة الأرضية وجنوبها”.

بدأ نتنياهو، من أول يوم لهذه الحرب، بتحميل قيادة جيش الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي وأجهزة الأمن المسؤولية عن الفشل الإسرائيلي المدوي، وعن نجاح القيادة العسكرية الميدانية لكتائب عز الدين القسام، ومن معها، في “طوفان الأقصى”، في تحطيم أسطورة ذلك الجيش القادر على حماية من يتحالف معه ويحتمي به، ضد أي عدو حقيقي، أو مُتوهم.

لم تمضِ بضعة من الأسابيع العشرة على تفجر هذه الحرب، حتى بدأ نتنياهو بتحميل المسؤولية لرئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، أريئيل شارون، بسب قرار تفكيك المستوطنات/المستعمرات في قطاع غزة، والانسحاب منه.

ثم تلا ذلك تحميل المسؤولية لرئيس الحكومة الأسبق، اسحق رابين، واتفاقية أوسلو.

لن يكون من المستبعد أن يعيد نتنياهو المسؤولية عن فشله وفشل حكومته وجيشه وأجهزته الأمنية، الى دافيد بن غوريون، لقبوله بقرار التقسيم لسنة 1947، ولتوقيع اتفاقيات الهدنة 1949. بل قد يشتط في خياله الخصب، وتخيلاته، لتحميل المسؤولية لإبراهيم الخليل وأساطير توراته، لرحيله من ما بين النهرين الى فلسطين.

يعرف نتنياهو أن أمريكا، حامية إسرائيل، (والأمريكيون بشكل عام)، لا تحب الخاسرين. ويرى نتنياهو كيف تعاملت مع رئيس أوكرانيا، فولودومير زيلينسكي، عندما اندلعت حرب أوكرانيا، وتصدى لها مرتديا الـ”تي شيرت” بدعم واحتضان وتقدير غير مسبوق، ويقارن ذلك بالكيفية التي تعاملت وتتعامل معه هذه الأيام، بعد الفشل المدوي لهجومه المعاكس. ومن التجربة الإسرائيلية، يعرف نتنياهو أن أمريكا التي عاقبت إسرائيل على اشتراكها مع بريطانيا وفرنسا، (من وراء ظهر أمريكا)، في العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، وأجبرتها على الانسحاب من شبه جزيرة سيناء ومن قطاع غزة، ولكنها أُعجبت بقدرات إسرائيل العسكرية في ذلك العدوان، وبدأت في بناء تحالف معها ومدها بكل ما تحتاجه من دعم عسكري ومادي، وتحويل ذلك التحالف من تحالف عادي الى تحالف استراتيجي، مكنها من إحراز انتصارها المذهل في حرب حزيران/يونيو 1967.

الملاحظة الثانية خاصة باليمن وباب المندب والبحر الأحمر:

انتصار الشعب اليمني الشقيق، وقواته العسكرية ومقاتليه، دعما لفلسطين وشعبها، عمليا وليس لفظيا ببيانات إدانة واستنكار و”مناشدة”، ليس مفاجئا. هذه هي طبيعة الشعب اليمني الذي لم يخضع لأي استعمار أو احتلال على مدى تاريخه، وهذه هي طبيعة نظرته وأسلوب تعامله مع شعبنا الفلسطيني. أذكر في لقاءات عديدة، كان لي فيها شرف مرافقة الزعيم الفلسطيني الخالد، أبو عمار، مع الرئيس اليمني، علي عبدالله صالح، (أيام كان اليمن يمنين: الشطر الشمالي، والشطر الجنوبي)، تكرار أبو عمار للتوضيح: “لا تنسَ يا أخي علي أن فلسطين هي الشطر الثالث”، وكان الرئيس اليمني يصادق على هذا التوصيف ويؤكده، هذا ما تكرر مرات عديدة في اللقاءات مع قيادات اليمن الجنوبي (عدن). وبلغ حد التضامن اليمني مع شعب فلسطين وثورته ومنظمة التحرير الفلسطينية، أن وضع “جزيرة كَمَران” اليمنية، مقابل ميناء الصليف، شمال الحديدة، تحت تصرف القيادة الفلسطينية.

يقول العرب: “لكل من اسمه نصيب”. ويبدو أن “لكل بحر من اسمه نصيب” أيضا. وهذا التحشيد العسكري الأمريكي في “البحر الأحمر” لمواجهة القرار اليمني الشجاع بمناصرة أهل غزة وفلسطين، وضرب المصالح الإسرائيلية، يمكن له أن يتطور ليصبح “البحر الأحمر” قانيا. ومن المفارقات، في هذا السياق، أن اسم البحر الأحمر باللغة العبرية “يام سُوف” التي تحمل معنيَين: “بحر الشعاب المرجانية”، و”بحر النهاية”.

من المفارقات، أيضا، أن “باب المندَب” باللغة العربية (الذي تعود تسميته الى ما يوحي بالندب والبكاء)، هو، باللغة العبرية “شاعَر هَدمَعوت”، التي تعني “بوابة الدموع”. إيحاء بالعدد الهائل من الضحايا الذين أغرقهم الزلزال الكبير الذي فصل آسيا عن إفريقيا، وشكل باب المندب، والصدع (الشق) الذي يبدأ من هناك ويمتد شمالا، ليُشكل البحر الأحمر، وخليج العقَبة، والبحر الميت ونهر الأردن وبحيرة طبريا وبحيرة الحولة، في فلسطين، وسهل البقاع، في لبنان، وينتهي الى منطقة حمص ونهر العاصي في سوريا.

أما الملاحظة الثالثة، فخاصة بالهزيمة الإسرائيلية على صعيد الرأي العام:

هيمنت الحركة الصهيونية العنصرية، وإسرائيل بعدها، منذ إنشائها، على تشكيل الرأي العام العالمي، بفعل امتلاكها وسيطرتها شبه المطلقة على وسائل الإعلام: بداية بالصحافة المكتوبة، ثم الصحافة المسموعة (الراديو والترانزستور)، وبعدها الصحافة المرئية (السينما، ولاحقا التلفزيون والفضائيات).

لكن هذه السيطرة بدأت بالانحسار مع وصول التقنيات الحديثة الى ما هي عليه اليوم، حيث صار كل شاب أو فتاة، يحمل بيده هاتفا عبارة عن “وكالة أنباء” يبث من خلال هاتفه، عبر أي من وسائل التواصل الاجتماعي (السوشال ميديا)، ما يريد. وإذا كان بالإمكان التشكيك في ما يقوله من كلام، فإن من المستحيل التشكيك في ما ينشره ويبثه من صور. فالصورة لا تكذب. وأصبحت وسائل الإعلام التقليدية، المُسيطر عليها، غير قادرة على تجاهل ما توثقه الهواتف المحمولة، بالصوت والصورة. وفي هذا ما يُفسر تجاوب وتعاطف الرأي العام العالمي، حتى في أكثر الدول عداء للشعب الفلسطيني والعرب والمسلمين، مع أهل غزة وشعبنا الفلسطيني.

من الذاكرة، أقول: أقرت إسرائيل قبل خمس سنوات، تخصيص 300 مليون دولار من موازنتها السنوية لمواجهة هذا التطور في تشكيل الرأي العالمي، وبدء تآكل مفعول سيطرتها على كافة وسائل الإعلام التقليدية، التي يتشكل الرأي العام بناء لما تقوله وتنشره.

أخيرا، عن يائير غولان:

لم يصحُ الشارع الإسرائيلي بعد من هول وإهانة وانهيار السابع من أكتوبر/تشرين الأول، الذي حطم في ست ساعات، أساسات وقواعد قامت عليها إسرائيل. ويبدو أن مفعول هذه الصدمة لن يزول لسنوات وعقود مقبلة. غير أن هناك علامات على بدء تشكل قناعات جديدة، مغايرة، ومناقضة أحيانا، لقناعات كانت راسخة ومستقرة، بأن من الممكن واليسير تجاوز الجسر الفلسطيني، والاستحقاقات الفلسطينية، وصولا الى “شرق أوسط جديد” تكون إسرائيل ليس مجرد جزءٍ منه، بل قائدة له ومهيمنة عليه.

من علامات بدء هذه الصحوة، بزوغ نجم جديد الى حد ما، في إسرائيل: يائير غولان. فمن هو؟ ولماذا؟

غولان هذا كان سنة 2016 نائبا لرئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي. وفي مناسبة إحياء إسرائيل لذكرى “المحرقة النازية”، ألقى كلمة قال فيها: “يخيفني وجود علامات في مجتمعنا، تشبه ما كان عليه وضع المجتمع في ألمانيا عشية المحرقة”.

كشفت هذه القناعة لدى غولان مدى رفضه لممارسات المستوطنين والانزياح الكبير في المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين العنصري والفاشي. وكان من نتيجة ذلك أن استُبعد من تولي رئاسة الأركان، وأصبح هدفا دائما للتحريض عليه، وبعد إنهاء خدمته العسكرية، وفترة تقييد دخوله المعترك السياسي لثلاث سنوات، حسب القانون، انضم الى حزب “ميرتس”، وأصبح عضو كنيست (البرلمان الإسرائيلي)، ثم نائب وزير، وفي الانتخابات الأخيرة، فشل في ترأُس حزب ميرتس، الذي فشل بدوره في أن يحتل أي من مقاعد الكنيست.

صباح السابع من أكتوبر، وبعد دقائق فقط من انفجار “طوفان الأقصى”، اتصل به صديق له، (وهو صحافي في جريدة هآرتس)، وطلب منه المساعدة في إنقاذ ابنه الذي كان في حفل في “غلاف غزة”، وكان غولان أول الواصلين الى هناك، ونجح في إنقاذ ابن صديقه، وعشرات آخرين، ونشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أخبار هذه الحقيقة، وعاد اسم غولان ليبزغ من جديد، مع كلمات التقدير له والإشادة به.

غولان اليوم هو المرشح الأوفر حظا لتوحيد حزب ميرتس وحزب العمل الإسرائيلي، وترؤسه. لكنه حتى الآن متمسك بموقفه في إقامة حزب جديد، وتعطيه كل الاستطلاعات الحصول على ما بين عشرة الى اثني عشر مقعدا في الكنيست، وهو ما يضمن استحالة تجاوزه في تشكيل أي ائتلاف بعد انتهاء وسقوط حكومة نتنياهو وائتلافه، المتوقع قريبا. ولا يكاد يمر يوم منذ السابع من أكتوبر دون أخبار ومقالات عن غولان، وكثير منها تشير إليه باعتباره مرشحا حقيقيا لتولي منصب رئاسة الحكومة الإسرائيلية، إن لم يكن المقبلة، فالتي تليها.

وأكثر ما يمثل حقيقة دورغولان المستقبلي، هو ما نشرته إحدى الصحف الإسرائيلية يوم الخميس الماضي، تحت عنوان: “البدائل أمام إسرائيل في اليوم التالي للحرب: إيتمار بن غفير أو يائير غولان”.

مقالات ذات صلة