إسرائيل في صدمة مفتوحة

يقظان التقي

حرير- إسرائيل في صدمة مفتوحة بعد وصول نتنياهو مجدّدا إلى الحكم، وتتوالى تحذيرات واشنطن لإسرائيل، في لجم عناصر العنف والتوتر المتصاعدين. يخاف الإسرائيليون من النوم. يمنحهم كل تحرّك في القدس الشعور بأنه قد يكون هجوما، ولا يريدون مغادرة منازلهم. إطلاق النار أخيرا كان الأسوأ منذ العام 2008، إنه يعزّز تصاعد المخاوف من أن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي الذي طال أمده، قد يكون على وشك تصعيد أوسع. تعمل حكومة نتنياهو على خرق التحذيرات في سلسلة من الانتهاكات، أعنفها قتل القوات الإسرائيلية تسعة فلسطينيين في مخيم جنين في أعنف غارة على الضفة الغربية المحتلة منذ عقدين. كان العام الماضي الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية منذ العام 2005. يخشى المراقبون من أن تؤدّي إراقة الدماء إلى اندلاع موجة أخرى من العنف، تتسبّب بها حكومة المتطرّفين الذين وصلوا إلى السلطة متعهدين باتخاذ موقف صارم ضد الفلسطينيين. أحداث قد تتجاوز حدود التهدئة، والحدود تجاه الفلسطينيين، أو تجاه القيم الديمقراطية الليبرالية، أو التوضيحات القانونية الضرورية التي تؤدّي إلى اعتبار جريمة الإرهاب التي ترتكبها إسرائيل، تتوفر فيها عناصر متساوية قانونا، وفعلا مع الجرائم الدولية الأخرى.

شكلت دبلوماسية التأثير التي مارسها السفير الأميركي في إسرائيل، توماس نايدز، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن في زيارته المنطقة محاولة لردع المشروع العنصري، في سياق سياسة أميركا الخارجية، والأهداف الجيواستراتيجية أيضا، فالعلاقة بين قدرة الولايات المتحدة العسكرية وارتباطها مع أدوات السياسة الخارجية والحوافز النفطية توضح كثيرا من ملابسات السلوك الأميركي وأغراضه المتعدّدة، فالمشروع الذي يعد به وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، والصفقات التي أبرمت مع المتطرفين، والسياسيين المدانين بارتكاب جرائم إنسانية، أمور لا تختلف عن “الخطر الأخضر” الذي سوّقه نتنياهو منذ نهاية السبعينات، المتمثل بالأصوليات الراديكالية، والتي زعمت أميركا محاربتها، أو بعيدة عن “شعار مواجهة الحرب على الديمقراطية”، في مواجهة الغزو الروسي أوكرانيا. لائحة اتهام مروّعة بمدى استعداد نتنياهو المتهم بالفساد للحفاظ على هيمنته، والتسبب بكارثة للفلسطينيين والإسرائيليين من ذوي الميول الليبرالية. رفع قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي شعارا، محذّرا من أن خطط الحدّ من سلطات القضاء، يمكن أن تضرّ باقتصاد البلاد البالغ 500 مليار دولار، وسط تصاعد تحذيرات مجتمع الأعمال الإسرائيلي، من منح الحكومة سلطة غير مقيدة، ومن أن الإصلاح المخطط له قد يرفع من تكلفة الاقتراض في إسرائيل (رئيسان سابقان للبنك المركزي). فيما قالت وكالة ستاندر آند بورز “تضرّ الخطة بالتصنيف الائتماني لإسرائيل، وباقتصاد الشركات الناشئة التي تمثل سدس الناتج المحلي الإجمالي، وأكثر من نصف الصادرات، وتحديدا الخدمات التكنولوجية التي أدخلت في العامين الماضيين 42 مليار دولار من التمويل.

التكنولوجيا قطاع استراتيجي لإسرائيل، ولرؤساء الشركات، “بدون الديمقراطية، بدون نظام اليقين القضائي، لا يمكن للاقتصاد أن يزدهر، ولا يمكن للشركات الناشئة وشركات التكنولوجيا، وحتى الشركات متعددة الجنسيات، حيث يوجد عملاء لها في الولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج، أن تزدهر، ومعظم الموظفين موجودون خارج إسرائيل” (رئيس شركة ويز للأمن السحابي عساف رابابورت). صارت التكنولوجيا أيديولوجيا، موجودة لتبقى، وستلتهم الجميع، ومنهم أصحاب الأيديولوجيا المعادية للعرب، والمتطرفة. كما كان متوقعا أن تكون الإصلاحات القانونية في أولوياتهم، ودعم تشريع رفض محاكمة الفساد، وهو الهدف النهائي لنتنياهو، لكن الأهم هو الموقف المتشدّد تجاه الفلسطينيين، من نوع إضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية اليهودية في الضفة الغربية، وتعزيزها في الأراضي المحتلة 2005. هذه علامة مبكّرة على صعود بن غفير وسموئريتش، وكلاهما من المستوطنين، وذلك كله مع عدم استعداد حلفاء إسرائيل إلى مشاهدة هذه الكارثة، وتحديدا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، و”نادي العرب الجديد”، كشركاء سياسيين وتجاريين، لجهة استخدام نفوذهم لمحاسبة المجموعة، هم الذين كانوا يروجون القيم المشتركة مع الدولة اليهودية. لذلك يجب رؤية نتنياهو على حقيقته، وبالتالي ليس السؤال في هذه الحالة كيف سيتصرّف الفلسطينيون، وهم يرون كيف أن الإسرائيليين يؤيدون الوضع الراهن، وهو ما سيكلف جميع الأطراف خسائر فادحة. أمور دفعت رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية، أهارون باراك، إلى اعتبار الخطط المنفذة “تشبه الهجمات التي نفذتها الحكومات الاستبدادية في بولندا والمجر وتركيا، ما يؤدّي إلى استبدادية الأغلبية، وسيكون هناك خطر على حقوق الإنسان، وآخر ملموس على الديمقراطية”.

يرد نتنياهو على هذه الادّعاءات بأنها “بلا أساس”. السؤال هو، ليس إذا ما كان سيستخدم مهارته السياسية في احتواء المتطرّفين، وعادة ما ينفر من المخاطرة عندما يكون في السلطة، أو أن يترك البديل المثير للقلق، أي يترك الجنّ يخرج من القمقم. يمكن أن تنتهي الأمور بشكل مختلف تماما، وأن تتحوّل في المقابل إلى كرة ثلج، وتصادم هائل مع الفلسطينيين، قد لا يتوقع انتفاضة أخرى. ولكن خطوات تضعف السلطة الفلسطينية، واضطرابات أمنية تؤدّي إلى تدهور اقتصاد المنطقة، ولا أحد يعرف تداخلا أعمق للتوترات، مع الآلاف الذين نزلوا إلى الشوارع في تل أبيب للاحتجاج رفضا للإجراءات المعلنة، ما يعطي طبيعة إضافية من التفلت للوضع الأمني في المستقبل.

جاءت تعبيرات آستر حايوت، رئيسة قضاة المحكمة العليا لافتة، “التغييرات ستقضي على القضاء والحقوق المدنية الأساسية، ونحن بحاجة إلى إنقاذ إسرائيل، حتى يظل العالم يتحدّث إلينا”. يكتسب نتنياهو سمعة بأنه عامل حذر، ولكن مع إجراءات أكثر راديكالية، ومنها تخفبف قواعد ترخيص الأسلحة للمدنيين، وإلغاء مزايا عائلات الشهداء الفلسطينيين، وتعزيز الاستيطان، يفاقم الأزمة، والاضطراب المدني في الداخل. على الضفة الأخرى، الشباب الفلسطيني غاضب، والأطفال يحملون السلاح، ويقودون المواجهة في أعمار مبكّرة (محمد عليوات 13 عاما)، مع تحول مطلقي النار إلى أبطال ورموز شعبية على الشبكات الاجتماعية. وعلى خط المواجهة مع القوات الإسرائيلية العاملة في الميدان، يفضل الفلسطينيون المقاومة المسلحة على تلك الشعبية التي يؤيدها الرئيس محمود عباس. يعتقد نتنياهو أنه وفريقه يمكنهما حلّ الواقع المعقد بعصا سحرية، والشعارات الإصلاحية. ومرة تلو الأخرى، على الإسرائيليين والفلسطينيين دفع الثمن. العالم في مواجهة انفجار الثنائيات، من دون التمييز القانوني بينها، كالتمييز بين الإرهاب الداخلي العنصري في إسرائيل والإرهاب الدولي، إرهاب المستوطنين وإرهاب الدولة، الإرهاب المحظور والمقاومة الفلسطينية المشروعة. المستبشرون لا يبحثون عن معجزة، مع عميان ومحتالين وعنصريين، فمن جهة تحاول المجموعة الأمنية المتطرّفة تقوية شراكتها مع إدارة بايدن لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، وتطبق استقلالية القرار، وأن إسرائيل تحمي نفسها بنفسها والعرب. ومن جهة أخرى، تعزل مسألة المستوطنات وحلّ الدولتين وحماية الشعب الفلسطيني عن نقاشات المستقبل.

مقالات ذات صلة