حكومة قـــــادرة …… الدكتور أسامة تليلان

تخصص دول كبرى موازنات كبيرة للثقافة، وكذلك تخصص بعض الدول العربية مثل مصر ودول الخليج والمغرب العربي موازنات جيدة للثقافة، ونشير إلى أن الجزائر أنفقت أكثر من 35 مليون دولار على فعالية الجزائر عاصمة الثقافة العربية، وأن دولة صغيرة الحجم كتونس تخصص ما مقداره 100 مليون دولار لموازنة الثقافة.

إن مثل هذا التوجه في الإنفاق الثقافي لا يتأسس على نظرة ترفيه أو ثانوية، وإنما على تقدير عميق لمدى أهمية الثقافة ومؤسساتها ومجالاتها في بناء قوة الدولة، كونها تدير عملية الوعي، والتنمية الثقافية التي تشكل الرافعة الأساسية للتنمية الشاملة، وتدخل في نسيج الحياة والمجتمع بحقوله كافة.

ويشترك الأردن مع هذه الدول في النظرة العميقة للدور الثقافي، هذا فضلاً عن أن الأوراق النقاشية الملكية تناولت المحور الثقافي وأهميته في بناء المجتمع، بل يمكن القول إن مادة الأوراق النقاشية زاخرة بالقيم الثقافية وتستند إليها.

الضغوط على موازنة الدولة الأردنية تصنف بالكبيرة، ورغم ذلك لا بد من التفكير في فضاءات واسعة للبحث عن آليات لدعم الثقافة.

حال موازنة الثقافة عبرت عنه في عام 2008 وزيرة الثقافة الأردنية نانسي باكير أمام اللجنة المالية في مجلس النواب، وذكرت أن ميزانية الوزارة لا تكفي لتنمية الثقافة في المجتمع.

وأعادت وزيرة الثقافة الحالية هيفاء النجار التأكيد على ذلك أمام مجلس النواب وقالت «إن ميزانية الوزارة، على أهمية الدور الذي تقوم به، لم تشهد ارتفاعاً إلا في حقبات وزارية قليلة، وأن هناك مشروعات كبيرة للوزارة وتحديات كثيرة تواجهها على أكثر من مستوى.

حكومة الدكتور بشر الخصاونة جاءت في ظروف اقتصادية وإقليمية وعربية استثنائية على أكثر من صعيد، وعملت تحت هذه الضغوط بشكل موفق على مختلف الملفات وعلى المهمة الرئيسة لها وهي التعامل مع تداعيات كورونا التي أرهقت دول العالم وأرهقتنا.

وقد توفقت الحكومة أيضاً في إطار التعافي من كورنا في تحريك المشهد الثقافي الوطني عبر سلسلة من الفعاليات التي غطت كافة محافظات المملكة.

لكن لإننا نستبشر خيراً بهذه الحكومة ورئيسها، نأمل رغم كل الضغوطات والتحديات أن تكون هذه المرحلة مرحلة إطلاق عملية تنمية شاملة للثقافة عبر خمس سنوات، تتضمن في محورها الأول رفع مخصصات الثقافة في الموزانة العامة إلى خمسة أضعاف المخصصات الحالية، ومتابعة الأفكار التي طرحت سابقاً حول قانون رعاية الثقافة وصندوق دعم الثقافة الذي نأمل أن تكون البنوك التجارية الشريك الرئيسي فيه على غرار ما يخصصه البنك العربي لمؤسسة شومان لإدارة الفعل الثقافي.

وفي محورها الثاني إعادة النظر في كافة الاستراتيجيات والبرامج والأنشطة التي تديرها الوزارة وتطويرها والبناء عليها واستكمال العالق منها وطرح الجديد بما يتناسب مع المئوية الثانية للدولة، وبما يتناسب مع ما تواجهه الدولة من تحديات ثقافية وفكرية في إطار المجتمع أصبحت معروفة للجميع.

وفي المحور الثالث ربما علينا أن نفكر في فضاءات واسعة للاستثمار في العمل والإنتاج الثقافي، والاستثمار في الهيئات الثقافية التي تجاوز عددها 300 هيئة لصالح تعزيز الوعي، وبحكم عضويتي ورئاستي لعدد من الهيئات الثقافية منذ عقدين، اؤكد أن الهيئات الثقافية عامل قيمة مضاف للمجهود الوطني إذا ما أحسنا استثمارها، وعلينا أن نفكر كيف يمكن أن نقوم ببناء استراتيجية وبرامج لإعادة صياغة أدوارها والاستفادة من ميزاتها في الانتشار الجغرافي والقبول المجتمعي خصوصاً في مناطق الأطراف التي تعاني على الأغلب من أحادية الطرح والمنبر والخطاب.

وكيف يمكن للهيئات الثقافية أن تسهم بإشراف الوزارة في الانخراط والاشتباك الثقافي مع مخرجات منظومات التحديث التي تجريها الدولة لتمارس أدوارها الثقافية التحديثية في مجتمعاتها. خصوصاُ تجاه تطوير الثقافة الديمقراطية، والتعامل مع الفكر المنغلق والمتطرف والإشاعات والصور النمطية السلبية والقيم المدنية وقيم العمل والشباب وغيرها الكثير.

الحكومة التي يطلب فيها رئيس وزرائها أن تعمل بآلية تشبيكية وتشاركية دون عزلة، هي القادرة والمؤهلة للتعامل مع هذا الملف وتحقيق إنجازٍ نوعيٍ فيه بعد سنوات من الركود، فقد آن الأوان لإطلاق أول إطارٍ عامٍ للتنمية الثقافية.

مقالات ذات صلة