بين كينيدي وكيرك رصاصة قاتلة بتوقيع إسرائيلي

د. جيرار ديب

حرير- أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال كلمة بذكرى 11 سبتمبر/أيلول منح المؤثر المحافظ تشارلي كيرك “ميدالية الحرية الرئاسية”، وهي أعلى وسام يعطى في الولايات المتحدة. ويعد كيرك، الذي قُتل الأربعاء 10 سبتمبر الجاري، إثر إطلاق نار في إحدى كليات يوتا فالي، أحد أبرز الوجوه المحافظة.

ليست عملية الاغتيال هذه، هي الأولى في هذا البلد، الذي له تاريخ طويل في تنفيذ مثل عمليات كهذه، التي طالما حملت في خفاياها بصمات صهيونية، إن كان عبر اغتيال الأشخاص الذين يطرحون القضايا الساخنة، التي تفضح الحركة الصهيونية كما حال الرئيس الأسبق جون كينيدي، أو عبر استغلال المناهضين للحركة الصهيونية، من خلال استفزازهم لتنفيذ عمليات اغتيال لمواطنين مؤثرين يدافعون عن جرائم العدو، كما حال تشارلي كيرك.

واجه برنامج إسرائيل النووي معارضة غير مسبوقة من قبل الرئيس جون كينيدي، الذي اعتبر أن امتلاك إسرائيل للسلاح النووي يقوّض نظام عدم الانتشار العالمي ويهدد الأمن الإقليمي، ولم يكتف كينيدي بالتحذير، بل مارس ضغوطا دبلوماسية حقيقية لوضع منشأة ديمونة تحت رقابة دولية، على الرغم من كل المحاولات الكينيدية، إلا أنها باءت بالفشل في كبح جماح المشروع النووي الإسرائيلي، نتيجة لإصرار الكيان على عدم التراجع ودور اللوبي الصهيوني داخل واشنطن.

كشفت وثائق رُفعت السرية عنها مؤخرا، المتعلقة باغتيال الرئيس الأمريكي الراحل جون كينيدي، عن إشارات عديدة تخص دور إسرائيل والإسرائيليين وجهاز الاستخبارات الإسرائيلي، بالإضافة إلى جيمس أنجليتون رئيس شعبة مكافحة التجسس مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، حسبما أفادت منصة “إيكو ريبوت” في تقريرها عن الملف، إذ ربط التقرير عملية الاغتيال برسالة شديدة اللهجة وجهّها كينيدي، بوقت قصير إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك دافيد بن غوريون، طالب فيها بالسماح بإجراء تفتيش دولي على مفاعل ديمونة. لا شيء مستبعدا، وأمام الإجرام الإسرائيلي الذي نشاهده اليوم في غزة، والاعتداءات السافرة على سيادة الدول، بات المستحيل ممكنا عند أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. فاغتيال كينيدي المعارض للملف النووي الإسرائيلي، أطلق العنان لبرنامج تل أبيب النووي، ليس هذا وحسب، بل رسمت فوق البرنامج غيمة ضبابية منعت وكالة الطاقة الذرية من الاطلاع على مخزونها، والدخول إلى مفاعيلها، لكن ماذا عن استثمار تل أبيب في اغتيال المؤثر الأمريكي تشارلي كيرك، ذي الفكر اليميني المتطرف؟

أظهرت التحقيقات الأولية في جريمة اغتيال كيرك، عن تفاصيل صادمة، إذ عُثر على بندقية في موقع الجريمة وبجوارها خراطيش رصاص منقوش عليها شعارات ورسائل ذات طابع سياسي، إحداها عبارة “أيها الفاشي، التقط”. بينما تشير بعض النقوش الأخرى إلى شعارات وأغان مرتبطة بحركات مناهضة للفاشية، رصد المحققون أيضا رموزا مستوحاة من ألعاب فيديو، في دلالة على انغماس القاتل تايلور روبنسون في ثقافة معادية للأفكار اليمينية المتطرفة، التي يسوقها الرئيس ترامب والمؤثرون حوله بطريقة شعبوية.

لقد غذت الترامبية الأفكار التطرفية، رافعةً شعارات أثارت الكثير من شعور الكراهية لدى التوجهات الأخرى، إذ أتى الاغتيال مع ارتفاع موجة الرافضين لسياسات إدارة ترامب الحاضنة بالمطلق لتصرفات إسرائيل في غزة والعالم، لاسيما بعد الضربات التي نفذتها على قيادة حماس داخل الدوحة. لم تتوقف الموجات المناهضة لسياسات ترامب على الشارع، وعلى تلك الاحتجاجات التي تقوم بها حركات عفوية جلّ ما تطالب به، وقف الحرب في غزة، بل وصلت هذه الموجة إلى أروقة الكونغرس، ففي أغسطس الماضي، وقع أكثر من 12 نائبا ديمقراطيا في مجلس النواب الأمريكي، على رسالة تطالب إدارة ترامب بالاعتراف بفلسطين. هذه خطوة تؤكد أن تصاعد الانتقادات غير المعتادة، باتت تصدر مؤخرا حتى من بعض الجمهوريين المعروفين بدعمهم القوي لإسرائيل. أثارت العناوين التي طرحتها سياسات ترامب موجات غضب كبيرة، منها تلك الهتافات التي استقبل بها ترامب والوفد المرافق له في أحد مطاعم واشنطن، التي طالبت بـ”الحرية لواشنطن” والحرية “لفلسطين”، ناعتيه بـ”هتلر عصرنا”.

بات الداخل الأمريكي المؤيد لوقف الحرب في غزة، لا يزعج فقط الإدارة الأمريكية، بل يزعج أيضا المؤثرين الإسرائيليين في الحياة السياسية لواشنطن، الذين يعملون على اقتناص الفرص لإعادة صياغة خطاب الشارع في الولايات المتحدة. إذ بعد موجة محاربة كبرى جامعات واشنطن، بهدف إسكات الأصوات الداعية لوقف الحرب، يعمد هذا اللوبي إلى تطبيق قمع الاحتجاجات أيضا في الشارع الأمريكي، وبأي طريقة. قد لا يحمل روبنسون، أي دافع وراء الاغتيال مرتبط بالحرب في غزة، ولكنّ الأكيد أنّ فعلته تصبّ في خانة الكراهية للخطاب الشعبوي، الذي كان يحاول كيرك نشره. هذا ما يسمح للحركة الصهيونية باستغلال عملية الاغتيال هذه إعلاميا، من أجل التسويق لسياسات ترامب وتطويق اليسار الداعم لقضية فلسطين، إذ باتت ظاهرة الاحتجاجات تقلق دول العالم الغربي مع تزايد وتيرتها.

يحتاج ترامب إلى “رافعة إعلامية لاسيما وإن الرجل لم يزل في الأشهر الأولى من عهده، وهناك قضايا دولية وداخلية كان قد وعد بإنهائها، من دون تحقيق ذلك، على رأسها حرب غزة. إيضا إن الأزمة الاقتصادية والمديونية المرتفعة، حيث أكد صندوق النقد الدولي، أن الاقتصاد الأمريكي بدأ يظهر علامات على التراجع، حسبما ذكرت المتحدثة باسم الصندوق جولي كوزاك.

أزمات ترافق بداية العهد الترامبي الثاني، هذا ما يستدعي إعادة ترتيب الأوراق، على رأسها استغلال حادثة الاغتيال لرفع معنويات فريقه السياسي، ويمرّر القوانين المتعلقة بدعم إسرائيل عسكريا ودبلوماسيا، وهذا ما عبّرت عنه زيارة وزير خارجيته ماركو روبيو الأخيرة إلى تل أبيب، فهل ستستغل الحركة الصهيونية عملية اغتيال كيرك لتعويم سياسات ترامب تجاه إسرائيل؟

مقالات ذات صلة