“العلا” السعودية تقترب من احتضان ستويودهات سينمائية بمواصفات هوليودية!

على بعد 4 ساعات من شمال شرق المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية، وتحديدا في محافظة العلا، اهتمت بعثات آثار دولية وخبراء سعوديون منذ العام 2004 بالبحث عن أسرار قديمة لممالك غابرة، يظن أن أهلها عاشوا قبل 2700 سنة من اليوم. ورغم أن النبض البشري في تلك المنطقة التي لطالما كانت شريانا رئيسيا في الطرق الداخلية في التجارة القديمة، يعود بحسب التقديرات الى فترة سحيقة في التاريخ قد تقدر بـ 200 ألف سنة، الا أن ممالك الدادانية واللحيانية، التي وجدت في أعوام 700 قبل الميلاد، هي محور جهود بحثية علمية واركيولوجية لفريق متعدد الجنسيات مشكّل من أكثر من 80 فرداً متخصصين في مختلف مجالات علم الآثار سيقومون باستكشاف ودراسة المقابر والهياكل الأثرية التي تم اكتشافها مؤخرا.

وجدت الدادانية واللحيانية قبل وجود الحضارة النبطية والوجود الروماني في شبه الجزيرة العربية، ومن المتوقع لأعمال التنقيب التي ستستمر خمس سنوات أن توضح مصير شعوب تلك الممالك التي أثرت مدوناتها على اللغة العربية. أي أن لها علاقة وطيدة بوظيفة التواصل والسرد.
وفي المنطقة ذاتها، وإن في مسارات أخرى موازية، وعلى مسافة 15 دقيقة من مطار العلا الدولي الذي تحط فيه طائرات آتية من الرياض وجدة ودبي، يثبت فريق آخر، متعدد الجنسيات أيضا، أساسات في الأرض من أجل تنفيذ مخطط بناء لما سيكون محورا جديدا لصنع السرد المعاصر. إنه فريق “فيلم العلا”، الوكالة التابعة للهيئة الملكية لمحافظة العلا، والمنوط بها ترويج تلك المنطقة باعتبارها مركزا دوليا ومستداما للإنتاج التلفزيوني والسينمائي

ترويج في “البحر الأحمر”
يسعى هذا الفريق الى قيادة أحد أكثر مشاريع تطوير العلا طموحا وهو بناء مجمّع الاستديوهات على مساحة 30 ألف متر مربع، واطلالة 12 كيلومترا مربعا، من المقرر استكمال المرحلة الأولى من وضع انشاءاته، في الربع الرابع من العام المقبل 2023، باكمال استديوهين بمواصفات عالمية، إضافة إلى مباني دعم الإنتاج والورش، ومبنى المؤثرات الخاصة (pyro/ sfx)، وآخرين للتموين والإدارة، واستديو لعمليات التسجيل الصوتي.
أعضاء من هذا الفريق تواجدوا بداية ديسمبر في جدة من أجل الترويج لهذا المخطط، ضمن فعاليات الدورة الثانية لـ” مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي” الذي احتضنته مدينة جدة، واحتضن جناحهم العديد من الأنشطة والحلقات النقاشية والعروض الحصرية، مع الترويج للتضاريس الجغرافيّة الفريدة التي تتألّق بها محافظة العلا، بالإضافة لتقديمه خصم ماديّ بنسبة 40٪، ومجموعة من الحوافز التي تساهم في دعم إنتاج مشاريع الأفلام الطويلة، على المستويين الدولي والمحلّي، دون إغفال المسلسلات التلفزيونية والإعلانات التجاريّة والأفلام الوثائقية، التي تخطط للاستعانة بمواقع محافظة العُلا للتصوير والإنتاج.

المدير التنفيذي للوكالة شارلين ديليون جونز تحدثت بشغف عن “روعة” استعادة وظيفة تاريخية كانت منسية لتلك المنطقة عبر ما يجسده المخطط الجديد:” لطالما كانت هذه المنطقة عبر التاريخ مرتبطة بالسرد. بالقصة. إنها طريق للقوافل. وممرات للتجارة بين مناطق تقع في قارات متباعدة. لذلك فطرقاتها التاريخية تختزن آثار تروي قصة حضارات وامتزاج وتواصل”.

منظومة متكاملة

تقول شارلين، التي تعمل مع فريق مكون من 23 متخصصا من الخبراء والمصممين في مجال بناء الاستوديوهات السينمائية والذين عملوا قبل ذلك في مشاريع مماثلة ضخمة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وآسيا، لـ” البيان” على هامش مشاركتها في المهرجان:” تتغير الأزمنة، وتتبدل الوسائط، لكن هذا المكان روحه واحدة هي القصة والسرد، ونحن، عبر هذه المشاريع نريد أن نستعيد وظيفة المكان الأصيلة ونمد وسائط الحاضر الى جذور الماضي”.

يرغب مخططو هذا المشروع أن تتحول العلا الى محور رئيسي للصناعة السينمائية، ليس على مستوى المنطقة، ولكن على مستوى العالم أيضا. وتتضمن المرحلة الأولى من المخطط الواعد بناء أكثر من 150 مسكنا، بالإمكان مضاعفتها لاحقا، مخصصة للمشتغلين في الاستوديوهات والمرافق التي تخدم صناعة الأفلام:” نريد تجربة متكاملة تحدث في نفس المكان. التصوير وخدمات الإنتاج وما بعد الإنتاج وتدريب المواهب وحت الإقامة. إنها أشبه بمدينة متكاملة”.

برامج تدريب للمواهب

ولا يقتصر دور “فيلم العلا” على تدعيم هذه المنظومة بالبنية التحتية والمرافق والخدمات، بل أيضا التأهيل والتدريب البشري، اذ تتيح البرامج طويلة المدى، أو القصيرة التي لا تتجاوز 10 أيام، التعرف على أساسيات الصناعة السينمائية، بحضور صفوف تأهيل يقودها خبراء من هوليوود. وبوسع البارزين بعد هذه البرامج أن يلتحقوا مباشرة بقطار العمليات الهادر في المنطقة. هكذا تكون العلا بمثابة حاضنة طبيعية لتخريج مبدعين لديهم فرص جاهزة لصقل خبراتهم والعمل.

ويحظى الشباب السعودي بشكل خاص بامتيازات وتقديمات في مجال هذه البرامج التدريبية، إذ أنهم معفيون من دفع رسوم في عدد منها مثل “برنامج الأيام العشرة” الذي بوسعه أن يستقبل 100 سعوديا وسعودية:” نريد أن نكون البيئة الحاضنة لأصوات من المملكة جاهزة لرواية حكاياتها”.

وقد بدأت العُلا فعلا، وقبل بناء المجمع الجديد، وعبر عناصر الجذب فيها مثل التضاريس الطبيعية و الإمكانات التراثية باستقطاب صناع الأفلام حول العالم مثل فيلم التشويق “قندهار” للمخرج ريك رومان وبطولة جيرارد باتلر، وفيلم الدراما “تشيري” للأخوين روسو ومن بطولة توم هولاند، إضافة إلى تصوير فيلم سعودي يحمل اسم “نورة”، من إخراج السعودي توفيق الزايدي، شارك في تمثيله نخبة من نجوم السعودية.

مقالات ذات صلة