غناءٌ ورقصٌ طفوليّ في مواجهة القذائف والغارات!

لم يتردَّد الشيخ عيد كثيراً، وبدأ يفكّر في طريقةٍ لمساعدة هؤلاء الأطفال، خاصةً أن بعضهم كان يعاني من أعراض صدمةٍ نفسيةٍ، وخوفٍ شديدٍ، وتظهر عليهم أعراض هلع وفزع، فقرر العودة لمنزله الكائن في منطقة الشوكة شرق رفح، لجلب سماعة ومكبّر صوت، وملابس المهرِّج، رغم موقع المنزل الخَطِر، وقرر مساعدة الأطفال والترفيه عنهم، عبر سلسلة من البرامج والفعاليات الغنائية والثقافية.

ما هي إلا ساعات، حتى تحوَّلَت المدرسة التي يُقيم بها الشيخ عيد إلى ما يشبه قاعة الأفراح، رقص الأطفال في فنائها وغنّوا، متناسين أصوات القصف وأزيز الطائرات، وقد تبدَّدَ خوفُهم وتحوّل إلى سعادة، وحزنهم إلى ابتسامة.

الرقص في قلب الخوف

يقول الشيخ عيد لـ”منصة الاستقلال الثقافية”، إنه ليس من السهل أن تتحوَّلَ مدرسةٌ لجأ إليها نازحون تعرَّضَتْ منازلهم للقصف، وعاشوا ساعات طويلة من الخوف، إلى مكانٍ للفرح، ففي البداية عارض البعضُ الفكرة، وطلبوا منه عدم تنفيذ أيّة أنشطة، تحت حجة “مش وقتُه”، لكنه رفض الاستماع لهم، ووقف في ساحة المدرسة، وبدأ ينادي على الأطفال، فبدؤوا بمغادرة الفصول التي تحوَّلَتْ إلى غُرَفٍ للإيواء، والتوجُّه ناحيته، وما هي إلا دقائق معدودة، حتى غصَّت الساحة بالأطفال من مختلف الأعمار، ومن كلا الجنسين.

بدأ الفنان المسرحي بالتصفيق والرقص على أنغام الموسيقي، وشيئاً فشيئاً تفاعل الأطفال معه، وبدأت الفقرات تُنَفَّذ تِباعاً، بعضها ترفيهيّ، وأخرى رقص وغناء، وفقرات لا تخلو من الحِسّ الوطني، وتحدّي المحتَلّ.

وأكَّدَ الشيخ عيد أنه تحدّى مقولة “فاقد الشيء لا يعطيه”، فهو كان يفتقد الشعور بالأمان، ويتملَّكُهُ الخوف كأيّ نازحٍ عن منزله، يخشى على بيته من التدمير، وعلى عائلته، لكنه قرَّر تحدّي كل هذه المشاعر المختلطة، وأن يتحوّل لبؤرةٍ لإشعاع الأمل والطمأنينة، وتبديد الخوف لدى الأطفال.

واصل الأطفال الرقص والغناء ساعات وساعات، وقد وقف أولياء أمورهم يراقبونهم من بعيد، وهم سعداء بتبدُّل حال أبنائهم، بل ويشجّعون الخجولين منهم على الانخراط مع أقرانهم، والتصفيق والرقص.

يقول المواطن محمود الشاعر، وقد نزح وأسرتُهُ عن منزلهم في منطقة شرق رفح، إنه حين وصل للمدرسة كان محبطاً وحزيناً، وأبناؤه يشعرون بالخوف ويجلسون إلى جوار والدتهم دون كلامٍ أو حراك، ويصرخون فزعين كلما سمعوا صوت انفجار أو أزيز طائرة، لكنهم حين شاركوا في الاحتفالات، ورقصوا وغنّوا، تغيَّرَ حالُهم، كما تغيَّرَ حالُهُ هو أيضاً، وشعر بالراحة لفرح أبنائه.

وشدَّدَ الشاعر على أهمّية مثل هذه الفعاليات حتى في ظلّ الحرب والموت والدمار، فهي تساعد الأطفال وتُرَفِّه عنهم، داعياً لتنظيم المزيد منها، واستهداف الأطفال الأكثر تضرُّراً.

وأشار الشيخ عيد إلى أن نجاح الفكرة دفَعَ بعض المتطوّعين لمساعدته، وبدأ بتنظيم برنامج فعاليات يستمر ساعاتٍ طويلةً، وقد تشجَّع أكثر للفكرة، وبدأ يتنقّل بين مراكز الإيواء في منطقة جنوب قطاع غزة، وزار أكثر من سبعة مراكز، ونفَّذَ عشرات الفقرات الفنيَّة والغنائية خلال أيام العدوان وبعده، إضافةً لإقامة عروض مسرحية ترفيهية.

وأكَّدَ أنه كان يبحث عن الأطفال ممن تبدو عليهم علامات الخوف والانطوائية، ويُعطيهم الميكروفون، ويطلب منهم الغناء أمام الجميع، ويحفِّز الأطفال على التصفيق لهم وتشجيعهم، وكان يشعر بسعادةٍ كبيرةٍ حين يرى الخوف والفزع تبدَّدَ وتحوَّلَ إلى ابتسامةٍ وفرح.

ولفت إلى أن ما قام به كان عملاً تطوّعيّاً خالصاً، لم يتلقَّ مقابلَهُ أيّ دعم، وهو يمتلك خبرةً كبيرةً في مجال الترفيه والتفريغ النفسي للأطفال، وقد لعِبَ دوراً مماثلاً خلال وبعد عدوان 2014، وساهم في إسعاد الأطفال في ظِلّ العدوان.

عملية مستمرة

الفنّ والغناء أفضل طرق التفريغ وتبديد مشاعر الخوف، ويجب أن تستمر هذه العملية بعد انتهاء العدوان، يضيف الشيخ عيد بأن ثمة آلاف الأطفال بحاجةٍ ماسّةٍ للمشاركة في حفلات غنائية، وفعاليات ثقافية ترفيهية، وهو يفكّر ويخطط بالتعاون مع أفراد فرقته المسرحية، لتنفيذ الكثير من الأنشطة، خاصةً في المناطق التي تعرَّضَتْ للقصف والدمار، وينوي النزول وإقامة مسارح متجوّلة، حتى لو كانت في بساتين وأراضٍ مفتوحة، المهم أن يستعيد الأطفال ابتسامتهم، ويسيطروا على خوفهم وقلَقِهم.

وأكَّدَ على أهمية التركيز على إعادة إعمار النفوس التي تضرَّرَتْ واهتزَّت، كما يجري التركيز على إعادة البناء والإعمار للبيوت والمرافق الأخرى، فبناء النفس أولى وأسبق من بناء البيت.

محمد الجمل

غزة – “منصة الاستقلال الثقافية”: 

 

مقالات ذات صلة