شخصية مضطربة..!

علاء الدين أبو زينة

حرير- عندما ظهر «داعش» الإرهابي وأصبح كيانًا له «دولة» وأراضٍ، اجتمع العالم –حرفيًا- على تصفيته. وما تزال جهود ما تُسمى «مكافحة الإرهاب» التي تستهدف هذا الكيان وأطرافه وأشباهه جارية على قدم وساق، (من دون نسيان المستهدف الأكبر والحقيقي لهذه الحرب).

وما «داعش»؟ تنظيم يتبنى تأويلًا متطرفًا إقصائيًا للدين، ويستخدم هذا التأويل لتحقيق أهداف سياسة عدوانية، جالبًا الدمار ونزع الاستقرار. وكان التحقق العملي لعقيدته هو تعبئة وجمع مهاجرين من أطراف الأرض بنداء ديني للقتال والاستيلاء على الأرض واستيطانها، وفرض قوانينه ورؤيته بوحشية على سكان هذه الأرض، و»تطهيرها» من ذوي العقائد المختلفة، والسعي إلى التوسع بالعنف. ومن الطبيعي أن يكون مثل هذا الكيان، بتعريفه وممارساته وتكوينه، هدفًا مستحقًا للإزالة.

وما الصهيونية؟ تنظيم يتبنى تأويلًا متطرفًا إقصائيًا للدين، ويستخدم هذا التأويل لتحقيق أهداف سياسة عدوانية، جالبًا الدمار ونزع الاستقرار. وكان التحقق العملي لعقيدته هو تعبئة وجمع مهاجرين من أطراف الأرض بنداء ديني للقتال والاستيلاء على الأرض واستيطانها، وفرض قوانينه ورؤيته بوحشية على سكان هذه الأرض، و»تطهيرها» من ذوي العقائد المختلفة، والسعي إلى التوسع بالعنف. ومن الطبيعي أن يكون مثل هذا الكيان، بتعريفه وممارساته وتكوينه، هدفًا مستحقًا للإزالة.

مع ذلك، يحظى المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني العنصري والمتطرف أيديولوجيًا بالاعتراف والمساعدة، حتى في منطقة ليست منطقته ولا يشترك مع أهلها في أي شيء. وقد جعلوه قوة عسكرية هائلة، ومتعوه بتغطية مستمرة على مخالفاته للقانونين الدولي والإنساني في المؤسسات الدولية. وبالنسبة للعرب، كتبت وتُكتب مجلدات في سرد التأثيرات المميتة والنازعة للاستقرار التي أحدثها قدوم هذا الكيان الغريب على المنطقة العربية بأسرها. وقد تأثر بوجوده سلبياً، بطريقة أو بأخرى، كل مواطن عربي من كل الأجيال التي عايشت وجوده.

لم تعترف أي دولة بتكوين «داعش» ولم يدعُ أحد إلى تطبيعه. كان «داعش» كيانًا مختلقًا مثله مثل الكيان الصهوني. ولا يختلف «الوعد الإلهي» الذي أقامت عليه الصهيونية قضية استعمارها لفلسطين عن وعد «داعش» الإلهي بالنصر النهائي على الكفار، لإضفاء القداسة على المهمة. لكن الكيان يتلقى الدعم لأسباب عملية تهم الغرب. أولاً، حل إنشاء الكيان الصهيوني الذي ساعده الاستعمار البريطاني في فلسطين مشكلة اليهود في أوروبا التي عاملتهم بعنصرية. ويشهد مؤرخون يهود وازنون أن العالم العربي لم يعامل يهوده العرب بعنصرية. ثم أصبح الكيان قاعدة متقدمة للولايات المتحدة يحمي مصالحها في المنطقة. ولعل أهم مصلحة ضمنها الكيان هي إبقاء العرب مهيئين للإخضاع الدائم، وتبديد طاقاتهم ونزع استقرارهم وتسلط أنظمتهم عليهم.

يمكن بالطبع فهم المصلحة الأميركية– التي تصبح باطراد موضع تشكيك هناك- في رعاية الكيان والتحالف معه. لكن ما لا يمكن فهمه هو قبول العرب تباعًا بتطبيعه من دون أن يطرأ أي تغيير على فلسفته وممارساته ونواياه. كما أنه طرف في قضية ليست عربية فقط، وإنما إنسانية وعالمية، طرفها الآخر شعب عربي وعالمي يتعرض للإبادة والإخراج من الحياة والتاريخ. وإذا كانت دوافع التطبيع ومبرراته عند جهات المنطقة معروفة، فإن «الديمقراطيات» الغربية، وبخاصة الديمقراطيات، تستخدم العصي والجزر لدفع أنظمة المنطقة إلى تطبيع شيء تعلم من استطلاعاتها واستخباراتها والكثير من العلامات أن الغالبية العظمى من مواطني المنطقة لا توافق على تطبيعه –على الأقل بممارساته الحالية. وبذلك تعبّر «الديمقراطيات» عن طبعها المعادي لإرادة شعوبنا ورأيها وحرياتها.

ربما أكثر من أي قضية أخرى في العالم، تجسد المسألة الفلسطينية في كل تفصيل ازدواجية المعايير واللاأخلاقية المطلقة، الباطنة والمعلنة للنظام العالمي ومؤسساته عندما يتعلق الأمر بالشعوب المستضعفة.

وفي حين يمثل الكيان الصهيوني، فكرًا وممارسة، قوة تقوم وجوديًا على امتهان إنسانية شعب كبير كامل وإنزاله إلى مرتبة ما دون البشر وضد كل الحقوق الإنسانية الموصوفة، تتم المصادقة على هذه المعاملة ومكافأة صاحبها بالاعتراف والمصافحة، في مشاركة ضمنية ومعلنة في جريمة إبادة جماعية لشعب غير عدواني غُزي في وطنه ويدافع عن تاريخه ووجوده.

المحاولة المستفزة لتمييز الكيان الصهيوني عن «داعش» برغم شبه التطابق في التعريف والممارسة، تؤكد المؤكد عن عالم مضطرب الشخصية ومختل الضمير. ومع محاولة تفهم ما لا ينبغي من تحالف الغرب الإمبريالي مع الكيان على أسس براغماتية، فإن هرولة العرب إلى تطبيعه ليست لها إلا «فائدة» وحيدة يمكن تصورها، هي شراء السلطة استمرار بقائها سلطة، دائمًا على حساب مصلحة ورغبة شعوب المنطقة وإنسانيتها.

لطالما ربطت التحليلات صعود التطرف والعنف في منطقتنا بفرض وجود الكيان الصهيوني وما يمثله ويخدمه، بما يدفع العرب اليائسين إلى التطرف ويسوقه. ومن المنطقي اقتراح أن تطبيع الكيان في العالم العربي ضد إرادة الشعوب، يفاقم فقط نفس الظروف التي أنجبت «داعش»– هذه المرة بتضافر المظالم المحلية مع العالمية. أما الفلسطينيون، فيجب أن يعترفوا بالمعروف من أنهم وحيدون في صراعهم دفاعًا عن وجودهم، وأن يتصرفوا على هذا الأساس.

مقالات ذات صلة