مؤشرات قوية تعلن عزلة إسرائيل

 

أحمد القديدي 

أكبر صحيفة أوروبية (لوموند) في عدد يوم السبت 24 نيسان/أبريل، فاجأت قراءها بعنوان كبير على صفحتها الأولى يقول (إسرائيل معزولة في مواجهتها مع إيران) وسأشرح لماذا هو مفاجأة؟ أما سياسيا؛ فإن أحداث بيت المقدس والضفة هذه الأيام شكلت منعرجا خطيرا لإسرائيل، ويكفي أن نسجل أن رئيس أركانها أجل زيارته لواشنطن المقررة يوم الأحد، وكان ينوي إثناء بايدن عن توقيع اتفاق مع إيران، أما نتنياهو نفسه فقد قطع لأول مرة هدنة السبت اليهودية للاجتماع بقيادة أركانه ومخابراته لتدارس الوضع ومجابهته قبل أن يستفحل؛ لأن بوادر انتفاضة كبرى هب فيها شباب فلسطين متمردا على ممارسات إجرامية لم تمنعها إسرائيل، قام فيها غلاة العنصرية الصهيونية بإحراق بيوت الفلسطينيين على هتافات (الموت للعرب)، ولعلمكم إن أخطر مؤشر دبلوماسي يؤكد عزلة إسرائيل، هو بيان وزير الخارجية الأمريكي حول أحداث القدس وغزة الصادر يوم السبت، الذي يقول لأول مرة في تاريخ التحالف الأمريكي الإسرائيلي: “على الطرفين السعي إلى التهدئة وعدم التصعيد”!. وهي لهجة لم نتعود عليها من واشنطن، اعتبرت العنف صادرا عن الجانبين ودعتهما للتهدئة!

أما أهمية مقال صحيفة (لوموند)، فهو من أكبر المؤشرات على التحول العميق في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ لأن (لوموند) هي أوسع الصحف توزيعا في أوروبا والعالم الفرنكوفوني (2 مليون قارئ)، عودتنا منذ تأسيسها الذي يعود إلى قرن على ما اصطلح على نعته بـ”الموضوعية”، وهي طبعا موضوعية نسبية؛ لأن كل الإعلام الأوروبي منذ إنشاء دولة إسرائيل، كان دائما وبلا أي استثناء منحازا لنصرة الدولة العبرية، كنوع من أنواع طلب الغفران اليهودي عن تاريخ أسود من اضطهاد اليهود وإبادتهم على أيد ألمانية وأوروبية، وخاصة فرنسية في أثناء الحرب العالمية الثانية.

ولهذا السبب؛ يبدو إعلان (لوموند) عن عزلة إسرائيل حدثا لا إعلاميا فحسب بل هو سياسي بالدرجة الأولى؛ لأن (لوموند) كما نعلم هي لسان حال كل النخب السياسية الأوروبية! تحلل الصحيفة تاريخ القضية الفلسطينية منذ قرار الأمم المتحدة (نوفمبر 1947) القاضي بتقسيم فلسطين إلى شطر عربي وشطر يهودي، وكيف تفرقت مواقف العرب حينها، بينما توحدت مواقف اللوبيات اليهودية والغربية، ووقعت عام 1948 ما يسميه الفلسطينيون النكبة وما تسميه إسرائيل عيد الاستقلال!

المهم، تحلل (لوموند) انتصارات إسرائيل العسكرية والسياسية وهزائم العرب التاريخية إلى أن تتغير أوراق اللعبة في الشرق الأوسط بنجاح الثورة الخمينية عام 1978 في إيران، وتتحول سفارة إسرائيل في طهران الشاهنشاهية إلى سفارة فلسطين في طهران الخمينية، ونتذكر كيف جاء أبو عمار ودشنها في أول أيام الثورة، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت أهم وأخطر.

مواجهة للدولة العبرية هي التي تضعها مباشرة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد أن انهزم العرب في حرب الأيام الستة (5 يونيه1967)، ولم يعد عبد الناصر ذلك البعبع المخيف المهدد لوجود إسرائيل!
ولتأكيد عزلة إسرائيل، تورد (لوموند) أهم عامل من عوامل العزلة، هو فوز جو بايدن على الرئيس ترامب الذي غير المعادلة رأسا على عقب، فتحول شعار الاستراتيجية الأمريكية من عقيدة (أمن إسرائيل أولا) إلى (مصلحة الأمة الأمريكية أولا)، وذكرت الصحيفة أن الرئيس بايدن “أبطأ” في الرد على هواتف نتنياهو لمدة شهرين، إلى أن تشكلت الحكومة اليمينية الجديدة باقتسام نتنياهو السلطة مع غريمه ومنافسه القوي (بيني غانتز) وزير الدفاع الحالي، وهو ما جعل الإدارة الأمريكية تتعامل مع (نتنياهو) بشكل مختلف؛ لأنه أضعف من ذي قبل ولم يعد كما يسوّق نفسه للرأي العام الأمريكي، ذلك الزعيم المغامر المتحدي لكل القوانين الدولية، وغير الحاسب لمصالح ولية نعمته وحليفته الأساسية أمريكا أي حساب! بل إن تفاصيل القضايا المرفوعة ضده لدى قضاء بلاده، أنهكت سمعته خارج حدود إسرائيل.

وتحاور (لوموند) رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق (يا يير جولان) الذي يصرح بأن سياسة نتنياهو الراهنة متهورة وضيعت بوصلتها وتتخبط في الفشل، بل ينصح رئيس الحكومة إسرائيل أن يستوعب درس العزلة وينخرط في الدبلوماسية الأمريكية التي اختارها بايدن لحل قضية النووي الإيراني! علامة إضافية من علامات التغير الأمريكي تجاه نتنياهو جاءت على لسان السيد (نيد برايس) الناطق باسم الخارجية، الذي قال معلقا على أحداث العنف في القدس والقطاع، بأن “الولايات المتحدة تندد بخطاب الكراهية الذي يشعل النار”، وواضح أن المقصود هنا هم المستوطنون الذين بدؤوا بشن العدوان على المدنيين الآمنين الفلسطينيين واستفزازهم وهم يهتفون (الموت للعرب).

مقالات ذات صلة