ماجد كيالي: جديد سياسة إسرائيل حرب مستوطنين ضد الفلسطينيين

ماجد كيالي

لا يمكن التعاطي مع حدث قيام جماعات، أو ميليشيات المستوطنين المتطرفين بمحاصرة الفلسطينيين في بلدة حوّارة، قرب مدينة نابلس منذ 26 شباط (فبراير) الماضي والاعتداء عليهم وحرق منازلهم وتخريب ممتلكاتهم، تحت حماية الجيش الإسرائيلي، باعتباره مجرد ردة فعل، أو حدثاً عارضاً، بل هو سياسة تنتهجها إسرائيل لاخضاع الفلسطينيين، بكل الوسائل، واستنزافهم وتصعيب عيشهم. ويأتي ضمن ذلك الحؤول دون إقامة دولة مستقلة لهم في أراضيهم التي احتلتها في حرب 1967.

ما تقدم يفيد أيضاً أن المستوطنين الإسرائيليين يعيشون في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وفق قانونهم الخاص، ويتمتعون بحماية الجيش الإسرائيلي، ولديهم رعاية ودعم رسميين من الحكومة الإسرائيلية، ما يؤكد الطابع العنصري التمييزي لإسرائيل، الأمر الذي يشجعهم على الاعتداء على الفلسطينيين، من دون أي تبعات قانونية.

إضافة الى ما تقدم فإن حدث حوّارة، وغيرها، يؤكد أن إسرائيل بصدد نقلة منهجية وخطيرة في سياستها ضد الفلسطينيين، إذ تحاربهم بجيشها وبميليشيات المستوطنين المتطرفين، لا سيما من اتباع الوزيرين المتطرفين سموتريتش وبن غفير، لإظهار الأمر وكأنه خلاف بين مجموعتين سكانيتين، تتصارعان على الأرض ذاتها، وكأن الأمر يتعلق بحقين متساويين، في حين أن ذلك يشكل استمراراً للسياسة الإسرائيلية الرامية لمصادرة حقوق الفلسطينيين وطمس وجودهم كشعب.

والمعنى أن الفلسطينيين باتوا إزاء حدث، أو تحوّل، كبير وخطير في دلالاته وآثاره وتداعياته، وهو بمثابة حدث مؤسس، إذ أنه يجري بدعم رسمي من حكومة بنيامين نتنياهو وبن غفير وسموتريتش المتطرفة، رغم أن ذلك ليس جديداً تماماً، إذ جرى مثله في أماكن كثيرة، في القدس والخليل وجنين ونابلس ورام الله، علماً أنها كلها أراضٍ تخضع للسيادة الفلسطينية كما هو مفترض، ما يعني أن إسرائيل لا يهمها السلطة الفلسطينية ولا تعترف لها بسيادة في مناطقها، اذ هي أطاحت عملياً باتفاقات أوسلو منذ تكشف موقفها في مفاوضات كامب ديفيد2 عام 2000.

وللتذكير، فإنه إثر احتلال الضفة الغربية بعد حرب 1967 عملت إسرائيل على بناء المستوطنات فيها، وضمن ذلك في مدينة الخليل. ففي 10 نيسان (أبريل) 1968، قام الحاخام المتطرف موشيه ليفنغر على رأس مجموعة من ثمانين رجلاً وامرأة بدخول مدينة الخليل وأقاموا في أحد فنادقها، ثم أقامت لهم الحكومة الإسرائيلية تجمعات سكنية خاصة. وفي 31 آب (أغسطس) 1970 سمحت الحكومة للمستوطنين اليهود بإقامة مستعمرة “كريات أربع”، قرب مدينة الخليل التي باتت معقلاً لجماعة “غوش إيمونيم” المتطرفة، ورمزاً للاستيطان الديني والأيديولوجي. بعد ذلك قامت مجموعة تضم 50 امرأة، تتزعمهن زوجة الحاخام ليفنغر، في نيسان (أبريل) 1979 باقتحام مبنى هداسا “مدرسة” في الخليل والاعتصام فيه، ثم انضمت إليهن في ما بعد غيئولا كوهين زعيمة حركة “هاتحيا” في أيار (مايو) 1979. وفي 25 شباط (فبراير) 1994 قام الصهيوني باروخ غولدشتاين، وهو طبيب من أصل أميركي، بتنفيذ مجزرة بشعة ضد مئات المصلين في الحرم الإبراهيمي حيث قتل بسلاحه الرشاش أكثر من 50 من المصلين وجرح العشرات منهم.

وتأتي ضمن ذلك طبعاً سلسلة المستوطنات في القدس الشرقية ومحاولات اقتلاع الفلسطينيين منها، كما تأتي اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين وتخريبهم ممتلكاتهم ومحاصيلهم الزراعية، في الضفة الغربية، علماً أن عدد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة (بما فيها القدس الشرقية) بلغ حوالى 726427 مستوطناً، موزعين على 176 مستوطنة، و186 بؤرة استيطانية.

وثمة حوادث مؤلمة ودالة كقيام مستوطنين بحرق الطفل محمد أبو خضير في مخيم شعفاط قرب القدس في تموز (يوليو) 2014، وحرق منزل عائلة دوابشة على يد مستوطن في قرية دوما قرب نابلس، في 15 تموز (يوليو) 2015، بيد أن الحدث الأبرز والأقرب تمثل في محاولة جماعات من المستوطنين مهاجمة عائلات فلسطينية في حي الشيخ جراح للاستيلاء على منازلهم وذلك في أيار (مايو) 2021، الأمر الذي أدى الى اندلاع هبة شعبية عارمة شارك فيها الفلسطينيون، من النهر الى البحر، مع مشاركة متميزة ولافتة وواسعة لفلسطينيي 1948 فيها، وهي الهبة التي قطعت بالتحول نحو إطلاق الصواريخ، وقيام إسرائيل بتوجيه ضربات صاروخية مدمرة على غزة، وهو الوضع الذي سهل للمستوطنين والمتطرفين والعنصريين شن هجمات وحشية على الفلسطينيين وممتلكاتهم في القرى والمدن في 1948 وقتها.

ومعلوم أن إسرائيل قتلت في العام الماضي 230 من الفلسطينيين، علماً أنه منذ 2006 حين تسلم محمود عباس القيادة والسلطة، وحتى 2021، لقي 7500 فلسطيني حتفهم بالرصاص والقصف الإسرائيلي في الضفة وغزة والقدس (470 سنوياً)، وفي المقابل لقي 371 إسرائيلياً مصرعهم (بمعدل سنوي قدره 23)، ما يُبين أن النسبة عالية اذ هي 1/21 أي 21 ضعفاً لصالح الإسرائيليين.

إلى ذلك، فإن هذه السياسة الإسرائيلية، القديمة الجديدة يجب أن تدفع الفلسطينيين الى التفكير في كيفية تدبر أحوالهم وتعزيز صمودهم في أرضهم، في هذه الظروف العصيبة دولياً وعربياً، من دون ادعاءات أو عنتريات أو هروب من الواقع نحو أوهام تسوية فارغة ومضللة.

طبعاً ثمة من سيقول إن العدو لا يحتاج لذرائع، فهو عدو، لكن هذا كلام عمومي، إذ إن مهمة أي مقاومة استنزاف العدو، لا التسهيل له استنزاف مجتمعها، ومهمتها تحييد آلته الوحشية المدمرة لا تمليكها المبررات للبطش والتدمير، ومهمتها خوض الكفاح لتعزيز صمود شعبها، وبحسب قدرته على التحمل، لا تحميله فوق ما يحتمل، ومهمتها اختيار اشكال الكفاح الممكنة والمستدامة والتي يمكن استثمارها، وليس تقديس شكل معين والتمترس عنده، رغم صعوبته وكلفته، بدل المراوحة بين أشكال أخرى، ربما تكون أنجع واقل كلفة، وأكثر جدوى، بحسب تجربة الانتفاضة الشعبية الأولى.

مقالات ذات صلة