مساجلات « عروبة مصر » ! … عبدالله السناوي

فى لحظة الفخر الجماعى، الذى انتاب المصريون فى احتفالية موكب المومياوات الملكية الفرعونية، جرت مداخلات على شبكة التواصل الاجتماعى حاولت إنكار عروبة مصر، قيل كلام كثير عن «الاختراق الوهابى» للمجتمع المصرى فى السبعينيات وما بعدها، كأن العروبة تتحمل مسئوليته والإسلام يمكن تلخيصه فى ذلك المذهب بالغ الرجعية.

فى أوقات سابقة جرت حملات أعلنت الطلاق مع العروبة بهدف تصفية الحسابات مع ثورة يوليو بعد حرب أكتوبر (1973).
لم تكن تلك الحملات عشوائية وانطباعية وغير مؤسسة فكرياً، كالتى بثت أخيراً على شبكة التواصل الاجتماعى، فقد تبناها مفكرون وأدباء كبار كـ«توفيق الحكيم» و«لويس عوض» و«حسين فوزى»، ورد عليها فى وقته وحينه جمهرة المثقفين المصريين على رأسهم الناقد الأدبى الكبير «رجاء النقاش».
فى مساجلات السبعينيات دعا «الحكيم»، إلى «تحييد مصر»، أو بصياغة أخرى انعزالها عن عالمها العربى، لا شأن لها بأزماته وقضاياه.
كان ذلك صداماً مباشراً مع صلب نظرية الأمن القومى فى مصر، حقائق الجغرافيا والتاريخ معاً.

حسب المفكر الجغرافى الدكتور «جمال حمدان» فإن مصر إذا ما انعزلت داخل حدودها تتعرض للتهميش السياسى، تستباح تماماً، وإذا ما خرجت إلى محيطها الطبيعى تنهض وتتقدم وتكتسب صفة الدولة الإقليمية الكبرى.
إذا كان هناك من يتصور إن إنكار العروبة ممكن فهو واهم.

لم تخترع ثورة يوليو المشروع العروبى، لكنها جسدته أملاً حياً على الأرض بسياسات تبنتها ومعارك خاضتها.

قيمة «عبدالناصر» فى التاريخ ليست أنه حكم مصر، أكبر دولة عربية، ولا أنه أنجز بقدر ما يستطيع، أصاب وأخطأ، وهذا كله يستحق مراجعته بالوثائق الثابتة لا الأهواء المتغيرة.
قيمته أنه عبر عن فكرة أن مصر تستطيع أن تكون قوية وتجعل العالم العربى قوياً معها فتتضاعف قوتها.

كان صراع الأفكار والسياسات قبل يوليو، هو من أعطى زخما ميدانياً للفكرة العروبية بمعانيها الحديثة.
أرجو ألا ننسى أن الفكرة العروبية الحديثة نشأت فى المشرق العربى، الذى يتعرض الآن لتخريب لمقدراته وتلوح فوق الخرائب خرائط التقسيم، لمناهضة سياسات «التتريك»، كما أنها دمجت المسلمين والمسيحيين فى نسيج فكرى وثقافى وسياسى واحد على نحو غير معتاد من قبل، وأحد الأسباب الجوهرية الماثلة حالياً لزعزعة الوحدة الداخلية لبلدان عربية كثيرة، غياب أى مشروع للدمج على أساس قواعد المواطنة والمساواة أمام القانون بين مكوناته وتنويعاته.
كان دخول مصر إلى حلبة التاريخ بعد تأميم قناة السويس عام (1956) وتصدرها لقيادة حركات التحرير الوطنى فى ذلك الوقت إيذاناً بضخ دماء جديدة فى المشروع العروبى.

أيا ما كانت متغيرات السياسة فلا عروبة بلا مصر ولا مستقبل لمصر خارج عالمها العربى.

 

مقالات ذات صلة