حين تضطرب موازين الأخلاق… حسين الرواشده

لا يمكن للقوانين، مهما تكن رادعة، أن تمنع ضعاف النفوس من ابتداع ما أمكن من وسائل للكسب غير المشروع، او لإساءة استخدام الصلاحيات، او للتحايل على الأنظمة والتعليمات، والقوانين – هنا – مجرد نصوص عمياء ما لم تتوفر الإرادة والآليات لتطبيقها، وما لم يكن ثمة عيون تراقب، وآذان تسمع، ومؤسسات فاعلة تسأل وتتابع وتحاسب، وحتى مع افتراض وجود ذلك كله، فإن غرائز البعض الذين لا يقيمون وزنا للمسؤولية تدفعهم الى تجريب حظوظهم في ممارسة الخطأ، او في استسهال التجاوز او في إقناع الذات بأن الشطارة جزء من الفطرة.. وبأن الموقع فرصة للنهب والكسب.. وبأن عموم البلوى تتيح إعادة تعريف الحقوق.. او قلبها اذا لزم الأمر.

في غياب القواعد الدينية والأخلاقية والمواثيق السلوكية الملزمة، يحدث هذا واكثر، وما اكثرها قصص التحايل التي صنعت من بعض المهتمين بالفساد ضحايا لمحاكمات لم تكتمل، او لأخبار ومعلومات صنفت في زوايا الإشاعات او حولتهم لأبطال وطنيين مع ان بعضهم متورط في التهم حتى أذنيه، والمشكلة هنا ليست في عدم وجود تشريعات رادعة، ولا حتى – احيانا – في صدقية تطبيقها او في وجود ثغرات ما تسمح للبعض بالخروج من المصيدة القانونية، وانما المشكلة الحقيقية تكمن في غياب قواعد سلوكية وأخلاقية تحكم المسئول او الموظف في العمل العام والخاص ايضا، والاهم من ذلك مناخات من الحرية والشفافية التي يفترض ان تشكل كاميرات على مدار الساعة لمراقبة الموقع العام، ومتابعة من يتبوأه، باعتبار ذلك حقا للناس.. لا تدخلا في الشأن الخاص، ولا اختراقا للخصوصيات والأمور الشخصية.
هذا كله يضمنه الدين متى كان فاعلا في المجتمع ومتى كان (حراسه) من دعاة ووعاظ ومدرسين مؤهلين لحمله وقادرين على اقناع الناس به وتحويله من مجرد طقوس ونصوص في الكتب ومواعظ مجردة الى حياة تدب على الأرض فتغير النفوس وتهدي الحائرين وترشدهم الى الصواب، وهذا لا يتحقق الا اذا كان هؤلاء المسئولون عن الوعي الديني مشاعل نور ونماذج حقيقية ودعاة قدوات وليسوا مغشوشين.
المجتمعات أحيانا تصنع الفساد، وتتواطأ مع المتورطين فيه، وقد تبرر لهم أفعالهم بشكل او بآخر،، والقضية – هنا – لا تتعلق بموقف الدين او المجتمع من الفساد كجريمة، ولا بالمتورطين فيه كأشخاص يفترض محاسبتهم، وانما تتعلق بما جرى على مهادنا الاجتماعي من تحولات في القيم، وما ترتب على ذلك من اشتباكات في المصالح، او من مضاربات وتناقضات في إصدار الأحكام.. وكل ذلك بسبب اضطراب موازين الأخلاق والسلوك.. وافتقاد النموذج الذي يمكن القياس عليه، وتراجع حاله الطهارة الاجتماعية لحساب التلوث العام الذي اصاب الفكر.. والوجدان ايضا. ناهيك عن حالة التدين التي أصابها هي الأخرى ما أصاب مجتمعنا من تراجعات وتناقضات.
لا يمكن فهم هذه الاشتباكات التي تحتدم داخل الشخصية الاجتماعية دون الالتفات الى مسألتين: إحداهما مشاهد التدين المغشوش التي تطفو على سطوح مجتمعاتنا، حيث لم يعد مدهشا ان يتستر البعض بأشكال وأنواع ومظاهر دينية للتغطية على سلوكيات مرفوضة يمارسها، واحسب ان المهاد التجاري يمكن ان يقدم لنا نماذج عديدة من هذا القبيل.
والمسألة الثانية تتعلق بما نطالعه من مشاهد الوطنية المشوهة التي تختفي وراءها سلوكيات لا تتناقض مع المبادئ والمصالح الوطنية فقط، وانما تحاول – جادة – ان تهدمها تحت ذرائع التغيير او التجديد.. في الحقيقة انها تعبر عن عُقد من النقص، او من الرغبة في الانتقام لكن ما يجمع المشهدين هو غياب الأخلاق، سواء كانت دينية او وطنية، وهيمنة عقلية التحايل والشاطر على السلوكيات التي يفترض ان تحكمها مسطرة المسؤولية الأخلاقية.. قبل ان تخضع لمسطرة القوانين الرادعة؟.

مقالات ذات صلة