الأردن لن يعود كما كان .. فشرتوا
لينا أبو بكر ـ عن القدس العربي
التصريح الخطير، الذي كشفت مجلة «الإكونومست» النقاب عنه في عددها الصادر نوفمبر/تشرين الثاني 2007، لوزير الخارجية الأمريكي في عهد آيزنهاور عام 1957»جون دالاس فوستر» (من المستحيل أن يستمر الأردن على الخارطة، لأنه يفتقر إلى مقومات الدولة، ولكن لا يعني هذا أنه حان الوقت للقضاء عليه) .
هذا يعيدك إلى اللقاء التلفزيوني، الذي أجرته قناة «أي أل تي في» الإسرائيلية مع محرر وناشر موقع «إيزرا بونديت» المدعو تيد بيلمان يصرح فيه وبكل وقاحة، أن خيار الدوليتن سقط، وأن المشروع الفكري، الذي كان يخطط له منذ سنوات لا يقوم على تفاوض مع ملك الأردن أو السلطة الفلسطينية، بل مع شخصية مشبوهة «ذكر اسمها ومكان إقامتها»، يرجحها لتكون بديلة عن النظامين، وتقبل بحل الوطن البديل!
التصريحات المفاجئة في هذا اللقاء، عكست جانبين مهمين:
الأول: الوقاحة في تحديد مصير دول وأنظمة وشعوب، دون أي اعتبار لكرامتها ووجودها .
أما الأمر الثاني، فيكمن في استيراتيجية اختزال الصدمة بالتهديد مع الإجبار، في اختيار الشخصية المرشحة لقيادة المرحلة، ودون أي وجل أو استحياء، من إعلان الخائن ودوره ومنصبه على الملأ!
لن نسأل إن كان هؤلاء فعلا يستطيعون أن يسرقوا التاريخ ويلعبوا بالديمغرافيا، خاصة أنهم يؤكدون أن السيطرة على الأردن مسألة أيام فقط، وأن الأمر لا يتطلب مفاوضة مع الهاشميين ولا قبولا شعبيا أو مباركة كونغرسية، كل ما هنالك، نسخة أردنية من نسخة مبارك، ما دامت أمريكا تملك الجيش والمخابرات، أما أهل الضفة وغزة، فلن يحتاجوا من إسرائيل سوى توفير وضع اقتصادي مريح لهم في الأردن، ليتنازلوا بدون أي تردد!
يا أيها المشاهد، مجنون يحكي وعاقل يسمع، فتصريحات «بيلمان» كحال الذي «ذبح خاروفين والضيوف اثنين»، هو والمذيع، أو كأنهما «انشغلا ببيع السكن والميت لسا ما اندفن»، فعلى من يتخوثون؟ لم يتعلم هذا العدو بعد من الدرس السوري، فالهاشميون يخوضون اليوم أشرف معركة في تاريخهم، ولم يبق لديهم ما يخسروه، ولا حتى لصوصهم، بعد أن تنازلوا عن حلفائهم، فهل نتوقع منهم أن يتمسكوا بأعدائهم؟
الأردن لن يعود أبدا إلى سابق عهده بعد هبة رمضان، ولكنه لا بد سيحتاج إلى طاقم توثيقي على قدر المسؤولية، حتى يتدارك غدر الأرشفة، التي طعنت تاريخ الهاشميين، بخناجرها المسمومة، كما حدث مع سيرة الملك الراحل الحسين بن طلال، والتي عهد بها إلى مؤرخ إسرائيلي يهودي بريطاني هو «آفي شليم» للأسف، فقد بدع في أسرلة النوايا الملكية، خاصة بعد أن شحت الوثائق والمراجع الأردنية، التي كان بحاجة إليها أثناء البحث… ويلاه!
حذاء ماري أنطوانيت!
للإعلامي صالح الأزرق، في برنامجه «الرأي الحر» على قناة «الحوار»، طريقة سحرية باستنفار مشاهد ما، وله هدوءه الخبير، واتزانه، الذي يخض به عروق المُتَحَرْقِصين، دون أن يُسيلها، وينشف دم المُسْتَفَزّين، دون أن يجففه تماما، وهو يبشر بربيع سعودي، ما دام الأردن لا يبعد عن شمال «العلا» سوى بمقدار ما يفصل ثمود عن مدائن النبي صالح، وهي مقابر صخرية، خصصها الأنباط لدفن أثريائهم، قبل أن يسخطهم الله، فيجعل منهم عبرة للثموديين الجدد ولعيبة الكراسي في مملكة البتراء!
بينما ينحاز سلام المسافر في برنامجه «قصارى القول» على «روسيا اليوم»، للوزير الأسبق طاهر المصري، حين يطلب منه أن يعين نفسه وزيرا بديلا للملقي، ويقدم على الهواء مشروعا اقتصاديا يخرج البلد من الأزمة، ليقترح مباشرة تقليل النفقات بدل «البعبشة» بجيوب المواطن المخزوقة! وحين سأله «مسافر» عن نوايا خارجية مبيتة لإسقاط الحكم الهاشمي، لم يتردد المصري بأن يقول وبحزم وثبات: فشرتوا، وهو حوار تتمنى أن تشاهده على شاشة التلفزيون الأردني، قبل غيرها، خصوصا بعد خطاب الملك عبد الله، الذي اعترف فيه بقصور شامل في مؤسسات الدولة، وطالب بتغيير الإعلام وأسلوب التواصل مع الشعب، وهو يضم صوته لشباب بلاده، معبرا عن فخره بهم وبحراكهم المنضبط، الذي اعتبره حرصا على الوطن، لا خيانة له، فلم نره يتهم بالعمالة أو الهلوسة، كما فعل القذافي، حين خلط ضحاياه بأبناء طغاتهم، ولا غرابة طالما أن طريقة التعاطي الملكية السامية، مع قهر المَفْقورين، لا تليق سوى بالملوك الفقراء، الأبطال الحقيقيين في هذا الزمن الباذخ والرخيص، كحذاء ماري أنطوانيت في مشهد المشنقة!
الملك عبد الله، أثبت في خطابه الأخير، أنه ليس من سلالة ملوك البسكويت ولا من فصيلة القياصرة الحمر، ولا من شاربي حليب النياق على الطريقة القذافية، ولا من آكلي الحمام المحشو بالألسنة والفستق على طريقة هتلر، ولا من متناولي زعانف القروش على طريقة الزعيم الكوري، إنما هو مثل أبيه، تماما كما وصفته التقارير الاستخباراتية الإسرائيلية في الثمانينات وما أشبهها باليوم: «الملك رجل حوصر على جسر يحترق من ضفتيه، وتماسيح النهر أسفل قدميه»!؟ فهل تتحول مملكة الأنباط – عاصمة القوافل – وأم البوادي العربية – التي ضمت بادية شبه الجزيرة وبادية الشام وصحراء النقب وصحراء سيناء، من دولة مسالمة تحفظ انهيارات الجوار بأمنها، إلى دولة احتياط ؟!
خزنة البتراء ومواسم الجوع!
لم تزل إسرائيل تبحث عن «ديك رومي جديد» لتصطاد به فتنة مناسبة لنكسة أردنية، ولن تنجح بالعثور عليه، لأن الفخ أصبح واضح المعالم، ولم يترك الإعلام أية فسحة لجولات التأويلات بعد أن ربح حرب التسريبات، والأردنيون يعلمون تماما، أن الضغط على سيادتهم، يجيء الآن بالذات، ليس لإنقاذ الأردني من الفساد، بل لتحويل الفساد إلى طعم يتم به اصطياد البلد بأكملها، وهذا لا يعني بطبيعة الحال، أن الفساد ليس عملة وراثية في شجرة الحكومات الوزارية في الأردن، والتي تنقلب على وزرائها لتتحول إلى نافورة جمرات، لكن حذر الأردني يجب أن يسبق فقره، ووعيه يجب أن يغلب قهره، فالحرامية أول من سيخربونها، كي يتهربوا من غضب الشارع، وهم مهما بلغت اهتماماتهم لن تتجاوز لعبة الكراسي، التي يتبادلونها، ثم إنه لا يقلون خطرا عن الجواسيس، بل يعملون بذات الاستيراتيجية، فيخبئون دليل خيانتهم في محفظة نقودهم – كما يروي لك جاسوس عملية اللحم المفروم، التي غيرت مجرى الحرب العالمية الثانية – وهم مهما طال عليهم الزمن، إلى زوال، لأنهم كأجدادهم – الذين لا يزالوا قابعين كتحف نافقة في مدائن صالح – تأخذهم الصيحة، فما يغني عنهم ما كانوا يكسبون!
المفارقة، أن الأردن من أغنى دول العالم بالثروات المحرم استغلالها، ومن يعود لكتاب «صناعة الجوع: خرافة الندرة»، يكتشف أن 3 بالمئة فقط يتحكمون في ما يقارب 77% من الأراضي الزراعية، والمسموح لدول العالم الثالث بزراعتها لا تتجاوز نسبته 44 % لعدد محدود من المحاصيل، لماذا؟ لخلخلة البنية الاقتصادية لتلك الدول، وفقدان المقدرة على السيطرة على مصيرها، وإخضاعها لنظام المعونة، لا من أجل مساعدتها بل لاستهداف فقرائها، ومفاقمة ديونها، وتحويل ثرواتها إلى نقمة عليها لا نعمة، وقد اتبعت إيران هذا الأسلوب مع الأردن قبل تغير الظرف، فمنعته من تصدير الطماطم للعراق ووضعت العراقيل أمامه، قبل أن تتبدل الآية، سبحان مغير ٍالأعداء!
حسنا إذن، مواسم الجوع بهذا المعنى لن تنتهي، وخزينة الأنباط لم تزل في يد الروم، والثروة الإعلامية في الأردن كالأموال المجمدة، فما الحل إذن يا شباب؟
الشباب الأردني يريد أن يغير النهج، ولا يريد أن يغير الكون، فمن أين يبدأ، من الخزنة؟ أم من الحدود؟ أم من المخيمات أو من المؤسسات الإعلامية، أم الاستهلاكية، أم من نظام الخدمات، أم البرلمان والأعيان أم ليبدأ من العالم السفلي للصوص: جيوبهم!