عيد الاستقلال الروسي في القدس… د.أحمد جميل عزم

يثبت النظام الروسي، الحالي، برئاسة الرئيس، فلاديمير بوتين، كل يوم مدى قوة علاقته مع المشروع الصهيوني، بدءا من التنسيق مع الحكومة الإسرائيلية بشأن ما يحدث في سورية، وبشأن العمل الجاري حالياً لترتيب المرحلة المقبلة هناك، وصولا لتقوية العلاقات التجارية والدبلوماسية، والزيارات التي لا تتوقف لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى موسكو، والآن يأتي احتفال الروس بعيدهم الوطني في مبنى في القدس الغربية، وهو ما يراه الإسرائيليون أنفسهم خطوة متصلة باعتراف روسي بالقدس الغربية عاصمة إسرائيلية، ويرونه مفاجأة.

 

بحسب تقارير الصحافة الإسرائيلية، وجهت السفارة الروسية، في تل أبيب، الدعوات لاحتفال بمناسبة اليوم الوطني الروسي؛ أي عيد الاستقلال، الذي هو يوم تفكك الاتحاد السوفييتي، العام 1990، وإعلان روسيا دولة مستقلة، والمصادف يوم 12 حزيران (يونيو)، وبحيث سيقام الحفل هذا العام في القدس الغربية، وذلك لأول مرة، وسيقام الحفل يوم 14 حزيران (يونيو). علماً أن كل السفارات تعقد احتفالاتها في تل أبيب، وليس القدس، حتى أنّ السفارة الأميركية، بقيادتها اليهودية الصهيونية، ممثلة بالسفير ديفيد فريدمان، قررت أن يكون حفل اليوم الوطني الأميركي يوم 4 تموز (يوليو)، في تل أبيب، رغم نقل السفارة الأميركية الأخير، للقدس، فهل يعد القرار الأميركي، خوفاً من مقاطعة دبلوماسيين آخرين للحفل؟ وهو ما لا يخيف السفارة الروسية؟ (بطبيعة الحال قد يراجع الأميركيون برنامجهم الآن إذا نجح الحفل الروسي ويذهبون للقدس).

 

يربط الإعلام الإسرائيلي هذه الخطوة الروسية، بإعلان روسي مفاجئ آخر، في نيسان (إبريل) 2017؛ حيث اعتبرت موسكو حينها أن القدس الغربية عاصمة لإسرائيل، وأن القدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين.

 

سيقام الحفل في مبنى (أو مجمع) أثري، معروف باسم المسكوبية، تعود ملكيته للروس، بني في القرن التاسع عشر، وكان الإسرائيليون قد اشتروا جزءا كبيرا منه من الاتحاد السوفياتي، العام 1964، بقيمة 3.5 ملايين دولار، فيما سمي حينها “صفقة البرتقال” لأن الإسرائيليين دفعوا المبلغ على شكل حمضيات صدّروها لزعيم العالم الشيوعي حينها. وقد حدث خلاف على شمول جزء من المجمع المذكور (المسكوبية)، وأعيد هذا الجزء للروس العام 2008، والآن ينوي الروس عقد الاحتفال الوطني في مبنى فيه. اللافت أنّ الصحافة الإسرائيلية (على الأقل ما أتيح الاطلاع عليه)، لم تهتم بالحديث مع الروس، لسؤالهم عن معنى وسبب خطوتهم، ولكنهم اتصلوا بالجانب الأميركي، ليسألوه إن كانوا سيفعلون الشيء ذاته، وجاء الجواب بالنفي. وقد حرص الإعلام الإسرائيلي على الإشارة إلى أنّ الخطوة الروسية تأتي بعد أسابيع من نقل السفارة الأميركية للقدس.

 

بطبيعة الحال، لن تقوم السفارة الروسية لدى فلسطين، بعقد حفل في القدس الشرقية، تدعو اليه الدبلوماسيين العاملين لدى دولة فلسطين أو السلطة الفلسطينية، وبالتالي لا معنى عمليا للقول إنّ الروس يعترفون بالقدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين. فضلا عن ذلك، فإنّ مثل هذه المواقف الروسية، تضاف للتنسيق المستمر مع الإسرائيليين في الشأن السوري، ونمو العلاقات التجارية، لتوضح أن فكرة قيام موسكو بأي عمل للجم السياسات العدوانية والاستيطانية الإسرائيلية، والقيام بمسؤوليات بشأن عملية السلام، غير واردة بالمطلق، وأنّ إسرائيل حليف متقدم لموسكو.

 

بموازاة هذا الموقف الروسي، يتضح أيضاً أنّ غالبية الدول العربية والفلسطينية، لا تضع القدس، أو لا تستطيع وضعها، ضمن حساباتها. دول وأنظمة وأحزاب ما يسمى بالممانعة، لا تستطيع حتى إن تحالفت عسكرياً مع موسكو، واستقدمت قواتها العسكرية إلى سورية، أن تفرض حتى عدم تقدم وتعمق التحالف الروسي الإسرائيلي، بل لا تستطيع أن تؤثر حتى في موقف كان عليه إجماع دولي، مثل القدس، فكسره الروس مرتين، بشكل فاجأ حتى الإسرائيليين؛ مرة بإعلان العام الفائت، والآن بحفل هذا العام. الأمر ذاته يقال بالنسبة للدول العربية الأخرى، التي لا يمنعها الموقف الروسي لا في سورية، ولا في القدس، من إبرام صفقات تجارية وتعميق العلاقة السياسية كل يوم.

 

ربما يوجد نشاط إسرائيلي خفي يوصل لمثل هذه الخطوات، ولكن يبدو أن الروس وغيرهم لا يرون رد فعل من أي نوع يجعلهم يفكرون مرتين قبل الإقدام عليها.

مقالات ذات صلة