رجل إنقاذ أم انتحاري؟!

 

محمد أبو رمان

بالرغم من أنّ د. عمر الرزاز سيشكّل حكومته على وقع الاحتجاجات والمظاهرات غير المسبوقة في الشارع الأردني، التي تدرّجت في سقف مطالبها إلى أن وصل بعضها للمطالبة بـ”تغيير النهج”، مع ذلك فإنّ هذا التحدي يمكن أن يكون -في الوقت نفسه- فرصة نادرة لإنجاز إصلاحات عديدة وللخروج من مأزق سياسي ومالي كبير.
ما يشفع للرزّاز أنّه إصلاحي ديمقراطي بامتياز، وصاحب شخصية كارزمية توافقية، ما ينسجم تماماً مع المطالب الإصلاحية، وهو ما نلمسه بوضوح -أيضاً- في كتاب التكليف الملكي للرزاز، الذي جاء متقدّماً واضحاً وصريحاً في الدعوة إلى إطلاق مشروع نهضة وطنية وبتأسيس عقد اجتماعي جديد يقوم على مفهوم الحقوق والواجبات، وترشيق العمل الحكومي والتناسب بين الضرائب والخدمات والعدالة الضريبية.
فوق هذا وذاك، أعطى كتاب التكليف الملكي الاحتجاجات الشعبية شرعية سياسية بافتخاره بالمشهد الذي سطره الأردنيون فيها، وهو ما يتضمن رسالة أخرى واضحة للمضي في طريق الإصلاح، بالإضافة إلى منح الرزاز مساحة حركة مهمة وواضحة فيما يتعلّق بسحب فتيل أزمة مشروع قانون ضريبة الدخل.
في لقائنا مع الملك -أول من أمس- كان حديثه قريباً جداً مما ورد في كتاب التكليف للرئيس الجديد، وتحدّث بصراحة عن ضرورة الخروج من “العقلية الكلاسيكية” في إدارة شؤون الدولة، أولاً، وبإدماج الشباب في مؤسسات صنع القرار ثانياً، وبضرورة المضي قدماً في تحقيق مفهوم “الاعتماد على النفس” ثالثاً، ما يعني -بالفعل- أنّ هنالك تلاقياً قد لا يكون واضحاً جليّاً في البداية، لكنّه كذلك في المضمون والأهداف بين رؤية الملك ومطالب الشارع واتجاهات رئيس الوزراء الجديد، ويمكن تلخيص ذلك بأنّ المطلوب “رؤية جديدة” في إدارة الدولة وصنع السياسات العامة وتنفيذها.
مثل هذه المعطيات، بقدر ما تشكّل تحدّياً للرزاز، فإنّها تفتح الباب أمامه لقيادة مشروع إصلاحي وطني، على أكثر من صعيد، في مجال إعادة هيكلة سوق العمل والتشغيل لمواجهة البطالة وتسهيل عملية الاستثمار، وفي المجال السياسي في حقوق الإنسان والحريات العامة، وتعزيز المسار الديمقرطي، في تأسيس لحوار جديد عن قوانين الانتخاب والأحزاب.
مثل هذه التحديات تتطلب، كما ذكر الملك في لقائنا وكتاب التكليف، منح جيل الشباب فرصة حقيقية للعمل السياسي وتصعيد الكفاءات منهم في أروقة القرارات.
بالضرورة مثل هذه المهمة والتحديات والمعطيات لن تُنجز بكبسة زر، والرجل لا يحمل عصا سحرية، لكن هنالك مؤشرات ورسائل مهمة -منذ البداية- إمّا أن تؤدي إلى “تبريد الشارع” والدخول في مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح، مما سيسجل في تاريخه كرجل إنقاذ وطني، أو أنّه سيقع في الفخّ ويكون بمثابة من نفّذ عملية انتحارية!
تركيبة الحكومة اختبار مهم ومفصلي في تحديد مدى صلاحياته وسلطاته وقدرته على الأخذ بزمام المبادرة، كذلك الأمر الرسائل الأولى باتجاه المحتجين، والتعامل مع المظاهرات من الضروري أن يحافظ على النسق الذي حدث في الأيام الماضية، رغم الإجهاد الكبير الذي حدث مع قوات الدرك، فمن الضروري ألا يتم اختطاف المشهد الحضاري الجميل الذي حدث في الأيام الماضية، بل المطلوب أن نبني عليه ليكون نقطة تحول إيجابية في المسار الوطني.

مقالات ذات صلة