مديونية وبطر!… صالح عربيات

كان يعاني من معظم الأمراض، وحين عانى من وجع شديد تم إحضاره الى الطبيب، وقبل الكشف عليه قام بسؤاله: ممّ تشتكي؟ هنا تدخل المرافق الذي معه لإجابة سؤال الطبيب، فقال له باختصار شديد: والله يا دكتور كل شيء معه الا المصاري.
نحن في الأردن مثل هذا المريض أيضا، كل شيء معنا؛ عجز، مديونية، بطالة، فقر، إلا المصاري، ومع ذلك حتى الآن لم ينعكس ذلك على تصرفات المسؤولين وسياساتهم المالية.
أذهب للعديد من بيوت العزاء وأصادف حضور بعض المسؤولين للتعزية، كنت أتمنى أن يأتي أحدهم بسيارته الخاصة  شعورا مع موازنة الدولة وتوفيرا للنفقات.
صدقوني اذا ما توفت والدة أحد المسؤولين أو أحد أقربائه، فإن مصروف سيارات المسؤولين التي ستأتي للتعزية بها قد يفوق مصروف صاروخ لوكالة ناسا ذهب ليكتشف الفضاء.
حين يذهب أحد المسؤولين لتفقد أحد المشاريع الميدانية، فعلى الأقل ترافقه عشر سيارات، وكل سيارة فيها شخص أو اثنان. ماذا يعيبنا لو تم استئجار باص لنقلهم جميعا بمن فيهم الوزير؟ ففي بعض الأحيان، قد يكون المشروع الذي ذهب لتفقده منحلة مستفيدة من أحد مشاريع الوزارة، لذلك يكون استهلاك السيارات من البنزين أكثر مما ستنتج المنحلة من عسل.
أمام منازل الوزراء، عادة ما نشاهد اصطفاف عدد من السيارات الحكومية لخدمة العائلة، والله لو استطاع المسؤول تخفيض فلس واحد من عجز الموازنة لما اعترضنا على إحضار البطاطا والكوسا بسيارات الوزارة. أما على هذا الحال، فيجب أن نحاسب الوزير اذا ذهب بالسيارة حتى ليشتري فقط ضمة جرجير.
نشاهد كيف يركب المسؤولون في الغرب الباصات وسيارات الأجرة والقطارات للذهاب الى أعمالهم، ولا توجد عندهم لا مديونية ولا عجز، بينما نحن، يرفض رئيس قسم أن يذهب الى عمله إلا “معنقر” بسيارة وحده ونحن غارقون بالعجز لرأس آذاننا.
حين يكون لك ابن، من المتوقع أن يحقق نتيجة جيدة في التوجيهي، فإنك توفر له الأجواء المريحة للدراسة، وتحضر له العصائر والفواكه، وتكون طبخة الدار على حسب ما يشتهي، وتقف حارسا في المنزل حتى لا يصدر صوت من هنا وهناك، بينما إذا كان ابنك ليس من المتوقع أن يحقق أي نتائج، فإنك تستخسر أن تناديه على العشاء.
لو من المتوقع أن يحقق مسؤولونا نتائج جيدة في الاقتصاد، لوفرنا لهم بدل السيارة هيلوكبتر، ولتوقفنا عن نقدهم ولأحضرنا لهم الكوسا مع ورق الدوالي مطبوخة. أما ونحن نرى العجز في تزايد ولم ينفع معه لا بلابيف ولا هايبرد، فيجب ألا نسمح لهم حتى باستخدام كوندشن المكتب.
إذا اكتشفنا أن فقيرا نقدم له المساعدة يملك جهازا خلويا أو حسابا على “فيسبوك” أو يستخدم “واتس اب”، فإنه يجن جنوننا منه ونقطع عنه المساعدات، ونقول لماذا لا يطعم باشتراك الإنترنت خبزا لأولاده؟!
ونحن حين نرى المسؤولين عند إقرار الموازنة العامة يشحدون الملح من جيوب المواطنين، ومن ثم نراهم يركبون أفخم السيارات ويفتتحون أشهى البوفيهات، فإننا نشعر بالغبن وبأنه تم الضحك علينا، فلماذا لا تسد الحكومة عجزها من استبدال فخامة سياراتها وإغلاق بوفيهاتها المفتوحة!!

مقالات ذات صلة