مولد وصاحبه غايب… د. صبري الربيحات

في كل بلدان العالم، وخصوصا النامية أو التي حققت مستويات عالية من النمو في الألفية الثالثة، يوجد مجالس اقتصادية اجتماعية يشارك فيها شخصيات حكومية وأهلية وخبراء من مختلف القطاعات تسعى الى ضمان الانسجام والتناغم بين ما هو اقتصادي واجتماعي في السياسات والتشريعات والبرامج التي تتبناها الدولة والقوى الفاعلة في المجتمع.

ما يجري من جدل وإضراب واقتراحات واحتجاجات وتباين في المواقف طبيعي جدا ويشير الى صحة وحيوية المجتمع. الغريب فيما يحدث هو تباين الافتراضات التي تحملها الأطراف عن الواقع وعن بعضها بعضا وتعارض في الأولويات التي توجه كل فريق.

الحكومة ترى أن واجبها الأول إصلاح مالية الدولة والوفاء باشتراطات البنك الدولي وتحسين موقفها أمام الجهات الدائنة بما يؤهلها للمزيد من الاقتراض، وفي هذا السياق ترى أن تمرير قانون جديد لضريبة الدخل قد يحقق ذلك باعتباره الأداة التي ستحسن من قدرة الحكومة على التحصيل ويوسع قاعدة المكلفين ويحد من التهرب الضريبي.

الشارع الأردني، وبقيادة النقابات والغرف الصناعية والتجارية والزراعية، يرى في القانون المقترح ضربة للاقتصاد ومبررا لهجرة رؤوس الأموال وإضعافا لقدرة المنتج الأردني التنافسية، والكل يرى أن لا حكمة في استمرار نهج حل مشكلات مالية الدولة من خلال رفع الأسعار وفرض الرسوم واعتبار جيب المواطن المصدر الأسهل لتغطية العجز كلما أعدت موازنة جديدة.

الخطابات الملكية والبيانات الحكومية والرسائل التي يتلقاها المواطن تتحدث عن تحسين مستوى المعيشة والحد من الفقر وحماية الطبقة الوسطى كأهداف استراتيجية للدولة من دون أن يرى الناس الكثير من الشواهد على تحقق ذلك على الأرض؛ فالبطالة في ازدياد مطرد والقطاعات الزراعية والصناعية والتجارية وحتى السياحة العلاجية والسوق العقاري والمالي تعاني من أزمات مركبة.

الهيئات الخاصة والمستقلة والشركات شبه الحكومية والشركات الشقيقة والتابعة والمتفرعة التي تتوالد في المناطق الخاصة والتنموية والاستثمارية تستخدم الكثير من الموارد ولا يوجد لها عوائد ملموسة على الاقتصاد أو نوعية الحياة أو تطوير الأداء، فالبعض منها يعرقل سير العمل ويشكل خطوات ومراحل إضافية يمكن الاستغناء عنها.

الكثير من الناس والنواب والصحفيين تساءلوا مرارا وفي مناسبات عديدة عن جدوى بقاء أكثر من خمسين هيئة ومجلسا وشركة تستهلك ما يزيد على مليار ونصف مليار دينار سنويا من دون التدقيق في الأثر الفعلي الذي تتركه مثل هذه المؤسسات على الاقتصاد والإدارة والإنجاز ومالية الدولة.

في الجدل الدائر اليوم، يلاحظ الجميع غياب أو تغيب المجلس الاقتصادي الاجتماعي الذي جرى تأسيسه منذ أكثر من عقد من الزمان لينظر في الواقع ويقدم للدولة وأركانها الخبرة والمشورة المستندة الى الدراسات ونتائج البحوث وعلى هيئة سياسات مقترحة تسهم في حماية المجتمع من وحشية القرارات الاقتصادية وتحذر من آثارها.

المجلس الذي تأسس في منتصف العقد الماضي وتعاقب على رئاسته عدد من أصحاب الخبرة والرؤى، بقي مهمشا وبعيدا عما يجري تمريره من تشريعات أو سياسات أو برامج. السؤال الذي يخطر ببالي وبال الكثيرين يتمحور حول الحكمة من تفريخ مؤسسات لا وظيفة لها.. وما معنى أن يحتدم كل هذا الجدل والاشتباك بين ما هو مالي واقتصادي واجتماعي وسياسي ولا نسمع رأيا من المجلس المختص الذي تم تأسيسه لهذه الغاية.

مقالات ذات صلة