
تأخرنا كثيرا لا بد أن نبدأ.
حسين الرواشدة
على مدى الأعوام المنصرفة كتبت في هذه الزاوية مئات المقالات عن حالة «الانسداد» السياسي التي وصلنا اليها، وعن «تهافت» مقولات «العافية» التي حاول البعض تزيين واقعنا بها، ودعوت -مرارا- الى دفع عجلات «قطار» الإصلاح لوقف قطار «نفاد صبر» الناس الذي بدأ يسير بسرعة، لكن يبدو ان إخواننا الذين ينظرون الى «أزماتنا « بعيون اخرى ، او من بوابات لا علاقة لها بالسياسة .. كان لهم رأي آخر، الى ان وصلنا الى هذه النتيجة التي نعرفها جميعا .
الآن، ارجو ان نكون خرجنا من دائرة «الإنكار» وتوافقنا على تشخيص الأزمة والاعتراف بخطورتها، هذه خطوة ضرورية لكي تنطلق نحو الإجابة عن سؤال «الوصفة» المطلوبة لتجاوز مرحلة «العنادة» والتيه، واعادة بلدنا الى سكة السلامة .
عنوان الوصفة هو «الاستدارة نحو الإصلاح» وتفاصيلها بسيطة تتعلق بإجراء ما يلزم من مصارحات ثم محاسبات وتنتهي بمصالحات وطنية تمهد لمرحلة انتقالية يتوافق عليها الجميع ويشارك فيها الجميع، واعتقد ان «الفرصة» ما زالت قائمة للنقاش حولها على الاقل، دعك من إمكانية تبنيها وإخراجها الى دائرة التنفيذ.
لدى الدولة في هذه المرحلة بالذات فرصة لترتيب علاقاتها مع المجتمع، قلت: «فرصة» وأقصد «ضرورة»، فالدولة لا يمكن ان تتحرك في الاتجاه الصحيح، او ان تحافظ على عافيتها واستقرارها دون «مجتمع» قوي ومتماسك، قادر على مواجهة الأزمات وإبداع ما يلزم لها من حلول.
تتجاوز مسألة «تطبيع» العلاقة بين الدولة والمجتمع ما يصدر من مقررات وإجراءات، او من رغبات ووعود، الى إطارين اثنين مهمين: الأول إطار السياسة بكل ما تصنعه من تحولات في مجال استعادة الثقة بين الناس وحكوماتهم ومؤسساتهم، وبكل ما يمكن ان تفعله في مجال «تعديل» معادلات التشاركية والحوار والتوافق نحو آفاق مفتوحة على ما يريده الناس من صانعي القرارات، زد على ذلك ما يفترض ان تتأسس عليه من عدالة وحرية وإصلاح عام.
أما الإطار الثاني فيتعلق بما يترتب على حركة السياسة وتحولاتها من نتائج اقتصادية، يفترض (لا بل يجب) ان تعيد صيغة علاقة المجتمع بالدولة على أسس جديدة تتناسب مع حاجات المجتمع ودوره في التنمية، كما تتجاوز منطق «الزبائنية» القائم الى منطق «الشراكة» الحقيقية، بعيداً عن مناهج الاعتماد على الضرائب غير العادلة، او الاستثمارات الوهمية او غيرها من أصناف الممارسات الاقتصادية.
للتذكير فقط ، سبق وان اقترح الدكتور معروف البخيت (عام 2006) إطلاق مشروع إصلاحي شامل لتطوير النظام السياسي الاجتماعي الأردني وصولا الى تداول السلطة التنفيذية على أساس الأغلبية البرلمانية والحزبية، يحتاج تنفيذه – كما تصور- الى مرحلتين: الأولى مدتها 20 سنة تبدأ بحوار وطني شامل يمكن ان تساهم فيه الحكومة بمسودة مشروع جدي، ويفضي الى إنتاج حالة سياسية فاعلة تنتهي بتشكيل حكومة سياسية تعمل وفق الدستور ولا تمتلك اية حصانة وتخضع للمراقبة والمحاسبة وتمتلك من السلطات ما يكفي لاداء مهمتها التنفيذية دون ان تهيمن على السلطات الأخرى او على مؤسسات المجتمع المدني، وتتسلح ببرامج سياسية ولا تحتمي خلف رأس الدولة الى جانب نظام برلماني يعكس تمثيلا واقعيا للمجتمع ونظاما قضائيا مستقلا.. ومؤسسات مجتمع مدني تعكس تنظيما مدنيا ينسجم مع التنظيم السياسي للدولة.
في المرحلة الثانية (ومدتها عشر سنوات) يمكن الانتقال بحسب د. البخيت الى تداول السلطة التنفيذية على أساس الأغلبية البرلمانية والحزبية على مرحلتين:
1 – تحضير المجتمع والمؤسسات للنظام السياسي المطلوب. 2 – تحقيق المشاركة السياسية الفاعلة..
تأخرنا كثيرا، وأصبح ضروريا أن نبدأ ..