احتواء الشارع… نضال منصور
بعد المذكرة التي وقعها ما يقارب 80 نائباً يطالبون بسحب مشروع قانون ضريبة الدخل، فإن كل التقديرات، حتى لحظة كتابة المقال، تشير الى أن الحكومة ستعلن سحب مشروع القانون خلال الاجتماع الذي سيعقد بدعوة من رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة، وبحضور رئيس الوزراء هاني الملقي ومجلس النقباء.
بوضوح، ستنزل الحكومة عن الشجرة التي صعدت عليها، وستقبل ما رفضته في اجتماعها مع مجلس النقباء الأسبوع الماضي، وستسحب مشروع القانون المثير للجدل والأزمة، وستفتح حواراً مجتمعياً قبل أن يذهب لمجلس النواب.
كان يمكن للحكومة أن تجنب الأردن هذه الاحتجاجات الشعبية السلمية، لو أصغت للنصائح التي قدمت لها من مختلف الأطراف وليس النقابات وحدها، فهذا المشروع الخلافي وحد جميع المتضررين، وهؤلاء يبدؤون من الفقراء والطبقة الوسطى، مروراً بالمهنيين، وانتهاءً بالتجار، والصناعيين، ورجال الأعمال.
الحقيقة التي يجب أن تقال وتذكر بأن مشروع قانون الضريبة كان “القشة التي قصمت ظهر البعير”، فالغضب الشعبي يتعدى هذا القانون، وخروجه الى الشارع وتلقفه لدعوة النقابات المهنية للإضراب نتيجة تراكمية لرفضه لتوجهات الحكومة الاقتصادية، فهم منذ أشهر يعانون وما يزالون من قرارات رفع أسعار الخبز والكثير من السلع والمواد التموينية، والتزايد غير المسبوق لأسعار المحروقات والكهرباء، واكتملت دائرة الغضب واتسعت بإصرار الحكومة على مشروع قانون الضريبة.
لم تتوقع الحكومة أن يتجاوب الشارع بكل حماس مع دعوة الإضراب في 30/5/2018، ولم تمتلك “قرون استشعار” سياسية حتى تتوصل لتفاهمات مع مجلس النقباء، بل أصرت على موقفها المتعنت، والأنكى من ذلك أنها لم تلتفت الى حالة الاحتقان الشعبي، “فسكبت الزيت على النار” بقرارها رفع أسعار المحروقات والكهرباء، ولولا تدخل الملك وإيعازه للحكومة بوقف هذه الزيادة على الأسعار لتضاعفت المشكلة، لأن الناس باتوا يشعرون بأن الحكومة تستخف بهم، ولا تحترم إرادتهم وصوتهم.
السؤال الذي يشغل دائرة صنع القرار الآن، ماذا بعد سحب مشروع قانون الضريبة، كيف يمكن ضبط حركة الشارع في المجتمع، ووقف الغضب الشعبي في كل مدن وأرياف ومخيمات الأردن؟
من الواضح أن مجلس النقباء قرأ ما يحدث بعناية، وأدرك أن الحراك الشعبي ما عاد تحت سيطرته، وأن الأمور تتجه نحو التأزيم، ولذلك اعتبر مذكرة النواب ضمانات كافية لتعليق الاحتجاجات، مع تأكيد تمسكه بقراراته.
طبعاً ستُقابل توجهات ودعوات مجلس النقباء بالهدوء وضبط الإيقاع، بالإدانة والاتهامات من قبل الناشطين والناشطات، وعموم الشارع المتعطش للتغيير الفوري، وهذا أمر متوقع.
في الساعات المقبلة يتوقع تحرك “ماكينة الدولة” بسرعة، وعلى الأرجح أن تعلن قرارات تطمئن الشارع، وتحاول امتصاص غضبه.
أكثر ما يتوقعه المراقبون أن ترحل حكومة الملقي وتتحمل عبء ما حدث. ما تعلمه الناس في السنوات الخمس الماضية على الأقل، أن تغيير الحكومات لا يبدل بواقعهم الاقتصادي، ويدركون أن الأزمة أكثر تعقيداً من أسماء تتداور على رئاسة الحكومة.
مشرف أن تعلو إرادة الناس، وأن يتميز الحراك الشعبي بالانضباط والسلمية، وتجنب الاحتكاك مع الأمن، والتصدي لكل من يحاول العبث والتخريب.
ومهم جداً أن يكون للحراك الشعبي بوصلة، وحزمة مطالب واقعية وعادلة، وأن لا تجنح للمزادات وشق الصف، فالضمان لنجاح التحرك الشعبي هو وحدة الموقف، والثقة بمن يقود المشهد، وترك مساحة له للمفاوضة، والمناورة لانتزاع حقوق الناس.
مرحلة حرجة نمر بها، اليقين الذي نؤمن به أن الأردن عصي، يحميه شعبه بأهداب العين.