حوادث الدهس تحصد أرواح عمال الوطن ولا تدابير وقائية تحميهم

تحقيق الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" - حاتم قطيش

لم يمضِ عشرة أيام على وفاة عامل الوطن، فوزي العلامات الذي يعمل في أمانة عمان إثر تعرضه لحادث دهس أثناء تأديته لعمله، إلا وأعلنت بلدية جرش الكبرى عن تعرض عامل آخر لحادث دهس مماثل، أسعف على إثره بعد تعرضه لإصابه بليغة في ساقه قد تحتاج لبتره وإجراء تدخلات جراحية متعددة، وفقا لتصريح صحافي صادر عن البلدية بتاريخ 5/3/2021.

تكرار حوادث الدهس التي يتعرض لها عمال الوطن أثناء تأديتهم لأعمالهم؛ ليس جديدا، ويأتي ضمن سلسلة حوادث عديدة يتعرضون لها، دفع بعضهم روحه ثمنا لها، وأصيب البعض الآخر بإصابات بالغة، أو عجز كلي أو جزئي. وبالرغم من تكرار هذه الحوادث وخسارة أرواح بريئة، تبقى المشكلة قائمة دون حلول عملية تعالج أسبابها على أرض الواقع، وتحول دون تعرض عمال الوطن لفقدان أرواحهم أو مخاطر تلحق الأذى بهم.

حلول تتضمن تدابير وإجراءات من شأنها حماية أرواحهم، والمحافظة على سلامتهم وفقا لمعايير السلامة والصحة المهنية والتي يجب أن تتوفر في بيئة العمل كأحد معايير العمل اللائق، ووفق ما نص عليه قانونالعمل الأردني، وما كفلته التشريعات والمواثيق الدولية.

موت وخراب ديار
ايمن الهلالي، شقيق عامل الوطن المرحوم محمد الهلالي الذي قضى بأحد حوادث الدهس في أحد أنفاق عمان يختصر المشهد بقوله أن ما يصيب أهل العامل المتوفى يمكن وصفه بأنه ” موت وخراب ديار”، حيث لا يتم التعويض بشكل منصف؛ لا من الأمانة ولا حتى من النقابة؛ ففي الوقت الذي تكون فيه عائلة العامل المتوفى أحوج ما تكون إلى مساعدة عاجلة لانقطاع مصدر الدخل؛ تجد نفسها مضطرة الى الاقتراض من أجل إتمام معاملات إبراء الذمة!!

الهلالي يصف التعويضات التي تم صرفها من الامانة والنقابة بـ “الهزيلة”، موضحا أن صندوق الخدمات الاجتماعية صرف لهم 2900 دينار للورثة، جزء منها كان بدل اجازات للمتوفى وتأمينات مستردة كان قد دفعها العامل عند تعيينه، بالاضافة إلى استرداد اشتراكات كانت قد استوفتها النقابة من راتبه سلفا.

يشرح الهلالي معاناته مع الضمان الاجتماعي فيقول، أننا ندفع ثمن ضيق الحال حتى بعد الموت، فكون العامل المتوفى كان قد استفاد من صندوق مساند توقف اتمام راتب الورثة حتى سداد مبلغ 200 دينار لصالح هذا الصندوق؛ ناهيك عن البيروقراطية في انجاز المعاملات والتي تعني بقاء زوجة وأطفال العامل المتوفى بدون عائل لعدة شهور، فشقيقي توفي في شهر تشرين ثاني 2020 ولم يتم حتى هذه اللحظة وبعد مرور ما يزيد عن أربعة شهور صرف راتب زوجته وأطفاله!!!، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد تم إيقاف التأمين الصحي لأطفاله وزوجته لحين اتمام معاملة الضمان الاجتماعي.

اضطر الهلالي وإيمانا منه بضرورة تحصيل حقوق شقيقه المتوفى، ورغما عن صعوبة وضعه المادي، إلى توكيل محامي على نفقته الخاصة بعد أن فقد الأمل في تحصيلها وفق الاجراءات الاعتيادية؛ وهو ذات الأمر الذي يؤكده عامل الوطن علي الروايضة، مشيرا إلى أن، عامل الوطن هو عامل مياومة وليس على نظام المقطوع (مثبت)، وغير مشمول بالتأمين على الحياة؛ ما يعد أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع عمال المياومة للمطالبة بالتثبيت، بحسب الروايضه.

يحمل الروايضة، جزءا من المسؤولية على مسؤولي عمال النظافة الميدانيين أو ما يعرف بـ ” عريف النظافة” ، حيث لا تخضع اختياراتهم عند تكليف العامل بمهام معينة لأي معايير منطقية أو مهنية؛ فبحسب الروايضة لا يجوز تكليف عامل يعاني من مرض السكري او الضغط للعمل في مناطق مزدحمة وفي أوقات الذروة!!.

يستذكرالروايضة في ذات السياق كيف يتم إجبار العمال على القيام بمهمات وأعمال دون مراعاة إمكاناتهم ووضعم الصحي، مبينا ما حصل مع أحد زملائه، إذ يبلغ وزنه 150 كغم ويعاني من سمنة مفرطة تعيق حركته، وبالرغم من ذلك فقد تم تكليفه ليكون ضمن حملة تنظيف على سفح جبل، ما أدى إلى وقوعه وتعرضه لإصابة أسعف على إثرها بصعوبة، إلى المستشفى بواسطة الدفاع المدني.

دور النقابات العمالية
بدورها أكدت النقابة العامة للعاملين في البلديات وأمانة عمان في تصريح صحافي للراصد النقابي لعمال الأردن “رنان”، أنها تولي محور السلامة والصحة المهنية أولوية وعناية، وتؤكد على ضرورة توفير متطلبات وإجراءات ضمن بيئة العمل، من شأنها أن تحافظ على صحة عمال الوطن وتحميمهم من أية مخاطر يتعرضون لها أثناء تأديتهم للمهام المطلوبة منهم .

وبينت النقابة، أن عقود العمل الجماعي التي تم توقيعها مع أمانة عمان بشأن تحسين بيئة العمل لعمال الوطن وحقوقهم، كانت تتضمن تأكيدا على أهمية هذا المحور، وضمان الأخذ بعين الاعتبار عدم تعريض العمال إلى مهام تتضمن مؤشرات خطورة سواء عند التعامل مع النفايات أو أداء مهام العمل على الطرقات والشوارع . إلى جانب اللقاءات المشتركة التي جمعت النقابة بمسؤلي الأمانة كانت تتضمن أيضا ضرورة إيلاء هذا المحور أهمية.

وأضافت، أنها عقدت بالتعاون مع المركز التدريبي في أمانة عمان قبل جائحة كورونا، برنامجا تدريبيا تضمن جلسات تتعلق بالصحة والسلامة المهنية، واستهدف البرنامج شريحة كبيرة من عمال الوطن في مناطق ومديريات أمانة عمان. وكان يركز على إثارة الوعي بأهمية ارتداء متطلبات السلامة والصحة المهنية وما توفره الأمانة من واقيات وملابس حفاظا على صحة العمال وسلامتهم .

ولفتت إلى أن حوادث الدهس التي يتعرص لها عمال الوطن قليلة جدا وسببها عدم أخذ العمال للحيطة والحذر عند القيام بأعمال التنظيف على الشوارع الرئيسية، مشيرة إلى أن الحاجة ضرورية لاتخاذ تدابير تحول دون وقوع حوادث سير يقع ضحيتها عمال الوطن أو تسجل إصابات في صفوفهم.

من جانبه، يحمل رئيس اتحاد النقابات المستقلة للعاملين في بلديات الأردن أحمد السعدي، المسؤولية لأمانة عمان والبلديات، موضحاً أن الملابس التي تصرف للعمال لا يتم تجديدها، مما يضطرهم إلى استخدامها لفترات طويلة حتى بعد ذهاب المادة الفسفورية، ما يعرضهم للخطر، كما أن آلية توزيع الجاكيتات الشتوية والعواكس لا تتم بعدالة ولا يستلمها العامل من المسؤول المباشر مما يتطلب التدقيق عليها بشكل أكبر.

ويقترح السعدي منعا لوقوع حوادث دهس عمال الوطن، بأن يتم تنسيق العمل في المناطق ذات الاختناقات المرورية بمنع تكليف عمال الوطن من العمل بها في وقت الذروة، ويجب أن يكون العمل بكافة المناطق بشكل عام وبهذه المناطق بشكل خاص، ضمن خطط مدروسة تراعي الاوقات المناسبة للعمل خاصة على مداخل الانفاق والابتعاد عن ساعات الذروة. داعيا إلى استثمار ساعات الحظر الجزئي بما أن العمال مستثنون منه.

يؤكد السعدي أن اتحاد النقابات المستقلة للعاملين في البلديات كان قد أبرم اتفاقية مع وزير الادارة المحلية عام 2018 تم بموجبها الاتفاق على استحداث أقسام للسلامة العامة في كل بلدية من بلديات المملكة ، ولكن – بحسب السعدي- فإن هذه الاتفاقية بقيت حبراً على ورق، ويضيف أن اتحاد النقابات المستقلة كان قد طالب بعمل دورات للعمال من قبل مختصين في السلامة والصحة المهنية والتي من ضمنها الاجراءات الخاصة بجائحة كورونا.

رئيس النقابة المستقلة للعاملين في أمانة عمان ضرار الغوانمة، يقول ” إن عمال الوطن هم آخر من يتم التفكير بهم، حيث لا يوجد مظلات تحميهم، فالنقابات المستقلة غير معترف بها رسمياً مما يضعف دورها في حماية العمال”.

الغوانمة يقر، أنه يتم توفير ملابس السلامة العامة للعمال، “ولكنها توزع بشكل غير عادل، وتحكمه المزاجية ولا يتم متابعة العامل، وهل استخدمها بشكل سليم ؟ وهل المعدات صالحة للاستخدام ابتداءاً ؟”

وعن دور النقابات المستقلة تجاه العمال يقول الغوانمة، أنه في حال تعرض العامل لحادث سير فإن النقابة المستقلة تتواصل مع ذوي العامل والورثة في حال الوفاة لارشادهم للحصول على حقوقهم، ويتم توعية العامل المتعرض لحالة الدهس من أجل متابعة حادث العمل مع الضمان الاجتماعي؛ مؤكداً أن معظم الاصابات التي يتعرض لها العامل من حوادث السير والسقوط مترتبة على عدم توفر أدوات السلامة العامة او حتى تكليفهم بأعمال ليست من ضمن اختصاصهم.

ماذا يقول خبراء العمل والسلامة والصحة المهنية
خبير السلامة والصحة المهنية حاتم الكسواني، يشير الى أن حوادث الدهس التي تعرض لها عمال الوطن، ونجم عنها حالات وفاة اوإعاقات لعمال أردنيين وحتى عمال وافدين؛ هي ناتجة بشكل أساس عن تهور السائقين وأحيانا إهمال من العامل نفسه. مؤكدا على وجوب شمول عمال الوطن ببوالص تأمين على الحياة خاصة بحوادث السير، مع ضرورة توفر التثقيف والارشاد الكافي قبل الانخراط في العمل، وما هو التصرف الصحيح في حالة وقوع حادث سير حتى لا تضيع حقوق العمال لعدم التبليغ عن الحوادث.

يشدد الكسواني على ضرورة تدريب العمال على استخدام وسائل السلامة الشخصية والتعامل مع الشارع خاصة، مشيرا إلى أن بعضهم ليس لديه الثقافة الكافية للتعامل مع أزمة السير، ولم يتلقوا التدريب الكافي للتعامل مع النفايات.

” هنا تكمن مسؤولية امانة عمان في تأهيل هؤلاء العمال وضمان تدريبهم، ليكونوا مؤهلين للعمل في الشارع والتعامل مع النفايات بكافة أعمالها بما فيها تلك المواد والنفايات والأدوات العائدة لمرضى كورونا المحجورين في منازلهم والتي يتعامل معها عمال الوطن وعمال النظافة في القطاع الخاص والذين يقومون بتنظيف العمارات السكنية” بحسب الكسواني.

مدير مركز “بيت العمال”، والأمين العام الأسبق لوزارة العمل حماده ابو نجمة يقول، تصرّ الامانة على عدم الاستعانة بخبرات وزارة العمل، بالرغم من مخاطبتهم اكثر من مرة بهذا الخصوص، لتجنب الحوادث من خلال إجراءات يمكن اتخاذها ولكن دون استجابة.
وفيما يتعلق بالتخطيط واتخاذ التدابير الملائمة في العمل، يؤكد أبو نجمة أنه لا توجد معايير وأسس واضحة لتجنب هذه الحوادث بل يمكن وصفها بالعشوائية وخارج نطاق التنظيم والتوثيق.
يضيف أبو نجمة، أنه وبالرغم من أن قانون العمل يفرض على كل مؤسسة أو منشأة، أن تعين مشرفا أو لجنة للسلامة المهنية حسب حجمها، يكون دورها رسم الاجراءات الفعلية لحماية العامل، إلا أن هذا الأمر غير موجود على أرض الواقع في أمانة عمان، مما يسترعي الاستعانة بوزارة العمل للتعرف على القوانين والتشريعات، ثم تشكيل لجنة متخصصة لوضع الاجراءات والتدابير للتعامل مع مثل هذه القضايا.

أمانة عمان والضمان الاجتماعي ، بيانات قديمة وغموض في الاجراءات
بالرغم من محاولات الراصد النقابي لعمال الأردن “رنان” العديدة للحصول على بيانات حديثة حول حالات الدهس التي يتعرض لها عمال الوطن سواء من الضمان الاجتماعي أو حتى أمانة عمان الكبرى الا ان جميع المحاولات باءت بالفشل ولكن وبحسب بيانات سابقة لمؤسسة الضمان الاجتماعي بما يخص عمال النظافة في البلديات حول المملكة، فقد سُجلت بينهم 336 إصابة عمل (منهم 153 اصابة في عمان ) وثلاث وفيات (منهم عاملان في عمان) وكان ذلك جزءًا من 18 ألف إصابة عمل و280 حالة وفاة للعام 2018.
وتصنف مؤسسة الضمان الاجتماعي مهنة عامل النظافة ضمن المهن الخطرة، مما يعني إمكانية أن يتقاعد العامل عند سن الـ45، في حال أتمّ 18 سنة من الاشتراكات للذكر و15 سنة من الاشتراكات للأنثى.
ويعرّف قانون الضمان الاجتماعي إصابة العمل بأنها الإصابة الناتجة عن حادث وقع للمؤمن عليه أثناء تأديته لعمله أو بسببه، بما في ذلك عند وقوع الحادث خلال ذهابه لعمله أو عودته منه. وبحسب تصريح سابق للسيد شامان المجالي الناطق الاعلامي للضمان الاجتماعي أنه في حال تعرّض عامل لحادث أثناء العمل ووفاته، يوفر الضمان الاجتماعي لورثة العامل المؤمّن في المؤسسة 75% من راتبه الخاضع للضمان شهريًا، وذلك من تاريخ وقوع الحادث، وبغض النظر عن عدد اشتراكات المؤمن عليه. ويقسّم المبلغ على الورثة المستحقين بموجب المادة 30 من قانون الضمان.
وكانت أمانة عمان قد استحدثت دائرة السلامة العامة في العام 2015، مهمتها الأساسية توفير بيئة عمل آمنة للحفاظ على سلامة العاملين في الميدان، وتوفير كل الوسائل والأدوات التي تحفظ سلامتهم. وجاءت نتيجة بلوغ الوفيات عن إصابات العمل 135 وفاة على مستوى المملكة في ذلك العام.

مقالات ذات صلة