بس عشر دقائق

أمجد تادرس

في الأسبوع الماضي وفي خضم فرحتي العارمة بانني تمكنت من إيجاد زبون جديد في جزر المالديف تعاقد معي لشراء شحنة تجريبية من التمر وبسعر جيد. طبعاً هذا جاء بعد جهود كبيرة لإقناعه الجودة العالية للتمورنا والتي هي نتيجة للجهود أكبر من مجموعة من المهندسين والمزارعين الأكفاء وعمل مضني ودقيق لإنتاج تمور على مستوى عالمي.

وكنت قبلها تعاقدت مع شركة شحن عالمية تعمل بنظام (الأيزو) لتنقل هذه التمور الفاخرة مبردة جواً لعميلنا العزيز في جزر المالديف. واتفقنا أن تكون الشحنة مغلفة وجاهزة بين الساعة العاشرة والحادية عشرة لنقلها إلى المطار ومن ثم الطائرة في طريقها الى الجنة الاستوائية. وطبعاً أرسلنا جميع الأوراق اللازمة و(لوكيشن) المزرعة على (الواتس).

صبيحة ذلك اليوم ذهبت إلى المزرعة مبكراً للأخراج التمر من (الفريزر) وتجهيز الطبلية الخشبية ذات المواصفات العالية من الخشب “المبخر”. وغُلفت الصناديق بالنايلون المناسب حسب المواصفات وانتظرنا صديقنا سائق الشاحنة المبردة من شركة الشحن العالمية والتي تتعامل بنظام (الايزو). وبعد مرور ساعة ونصف على الموعد المتفق وخوفي عن أن بفقد التمر برودته. اتصلت بصديقنا السائق مستفسراً عن صحة معاليه وموقعه ومتى سيصل المزرعة.

وطبعاً بعد أن رد السلام على بجمل أفضل مما قلت واستفسر عن صحتي وصحة العائلة والسلام والصلاة على الأنبياء والمرسلين جميعاً أعلمني أنه ما زال في المطار وأن ليديه مشوار “بس عشر دقائق” ومن ثم سيتجه بعده إلى الغور طبعاً. وهنا شرحت له أنه “ما في مشوار طوله عشر دقائق” وطلبت منه تحديد وقت دقيق لموعد وصول حضرته وبعد مرة أخرى السلام والصلاة على جميع الأنبياء والمرسلين قال لي أنه “بالطريق بس الشباب يمكن يقفوا يفطرو ويصلو”.

وهنا وبعد ارتفاع نبرة صوتي إعلامه هذا غير مقبول لدي وأنني ساتصل بالشركة لتقديم شكوى بحقه قال لي “بسيطة يا زلمه الموضوع مش مستاهل”.

نعم الموضوع مش مستاهل لأنه “ما حدا مات”،

ولكن بالأمس “في حدا مات”. في أبرياء ماتوا في مستشفى السلط بانتظار الأكسجين. وأكاد أن أجزم بأن عدم وجود أكسجين نتيجة قصة مشابهة لقصتي مع سائق الشاحنة مع اختلاف التفاصيل والنتائج.

والأدهى وصلتني هذا الصباح رسالة من صديق تسألني عن رسالة تتناقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي تفيد بأن السفارة الامريكية حذرت رعاياها من زيارة السلط! ولدى بحثي عن الموضوع تبين أنه صحيح بأن السفارة حذرت من خلال تحذيراتها الدورية عن زيارة معان والسلط. وهذا شئ تقوم به السفارة بالعادة. ولكن قام أحدهم بترجمته وارساله عبر هذه الوسائط ليس من الحرص على حياة البشر ولكن كالعادة للإيهام بأن انقطاع الأكسجين عن أحبائنا ضحايا مستشفى السلط هو ونتيجة للمؤامرة الكونية ضد الشعب الأردني وليس لأنه لا يوجد مشوار في الأردن طوله “بس عشر دقائق”.

مقالات ذات صلة