صدور الطبعة الثانية من كتاب “كائنات الردة” للكاتب العماني سليمان المعمري

صدر عن مؤسسة الانتشار العربي ببيروت الطبعة الثانية من كتاب “كائنات الردة” للكاتب العماني سليمان المعمري. وكانت الطبعة الأولى قد صدرت عام 2018 عن سلسلة كتاب مجلة نزوى العمانية.
يسرد هذ الكتاب سيرة قرية “الردة” في ولاية صحم الواقعة في محافظة الباطنة بسلطنة عمان، والتحولات الاجتماعية والعُمرانية لهذه القرية خلال أكثر من أربعين عاما. حيث سعى المؤلف – كما يقول- لتسجيل “شيء من سيرتها، أو بتعبير أدق سيرته هو معها ومع أزقتها وحواريها وناسها وثعابينها وفراشاتها وعمّالها الكادحين”.
يتضمن الكتاب اثني عشر نصًّا سرديًا تسرد طفولة الكاتب، وعلاقته بجده خليفة بن مبارك الذي “عاصر حربين كبيرتين وعدداً لا بأس به من الحروب الصغيرة”، واصفا من خلاله أحوال عمان إبان الحرب العالمية الثانية، كما يسرد حكاية الطفلة شهد محمود التي تمارس عليه دلالها الطفولي، وتذكره بين الفينة والأخرى أنه لم يحملها إلى صالة الألعاب، وتوقظه أحيانا في وقت متأخر من الليل لتطلب منه هدية، ويستذكر بعض ذكرياته مع شقيقه الأكبر سيف الذي كان رفيقه في المدرسة والمقالب الطفولية، وشقيقه الأصغر محمد الذي رحل عام 2010 في حادث سير أليم. ويتناول الكتاب أيضا بعض الشخصيات التي عايشها المؤلف في القرية مثل العم غريب مطر الذي كان يحمل في سيارته اللاندروفر أطفال القرية إلى المدرسة، وشخص ظريف يسمي نفسه “هتلر الردة”، إضافة إلى تخصيص الكاتب فصلا عن أشهر حلاق في الردة واسمه “شوزيت” وهو بنغالي الجنسية، واصفا الحزن الكبير الذي عم القرية وأهلها عندما توفي عام 2012، كذلك يخصص فصلا من الكتاب للعامل البنغالي أنور حسين الذي يعمل في الردة منذ أكثر من عشرين عاما، والذي يوقعه صممه في العديد من المفارقات.
ولا يكتفي المؤلف بالحديث عن ناس الردة وإنما يخصص فصلين لكائناتها الأخرى حيث يستذكر في أحد الفصول ذكرياته مع الثعابين التي صادفها في حياته، لا سيما ذلك الذي لسع والده ذات يوم قبل أكثر من ثلاثين عاما. كما يتحدث عن فراشة ظهرت على شاطئ الردة عام 2010 وأثارت جدلا في عمان حينها بسبب الإشاعات والتفسيرات المتناقضة التي فسرت ظهورها. وفي نص حمل عنوان “أمي وروحي الصفدي” يتحدث المؤلف عن علاقة العمانيين بالمسلسلات البدوية الأردنية، من خلال تتبعه لمشاهدات أمه، واندماجها مع قصص هذه المسلسلات، لا سيما تلك التي يكون بطلها الفنان روحي الصفدي.

من أجواء الكتاب نقرأ:

لو أن مؤرخاً حصيفاً أراد توثيق اللحظة الفاصلة التي بدأتْ فيها الرَدَّة التحول من طفلة صغيرة إلى صبيّة ناهدة، من قرية فقيرة إلى مُدَيْنَة شامخة، فلا أظنه سيجد أنسب من افتتاح محطة بترول “شل” فيها. فظهور هذه المحطة خلق حركة تجارية حولها، وامتلأت المساحة شيئاً فشيئاً بمحلات بيع مواد غذائية، ومطاعم، وصالونات حلاقة، ومحلات غسيل وكيّ ملابس، وأدوات قرطاسية، ومحلات أعلاف، وصولاً إلى مصنع الثلج، ومجمع النور للمواد الغذائية، لتغدو الرَدَّة اليوم مدينة كبيرة تكتفي ذاتياً بما فيها من أسباب للحياة، بدون الحاجة القديمة للذهاب لسوق صحم. هذه المحطة ستكشف في بدايات افتتاحها شيئاً من طبائع الرَدَّة. صحيح أنها حنون على اليتيم، مضيافة للغريب، متواضعة لمن خفض لها الجناح، إلا أنها ذاتُ أَنَفة، معتدة بنفسها، لا تصمت عن الإساءة ولا تنساها ولا تترفع عن الرد عليها، وآاااخ من رد الرَدَّة! . لها طريقة مميزة في الانتقام ممن يسيء إليها. لا تغرنّكم ابتسامة شمسها المشرقة، ولا غمزات بحرها الهادئ، ولا طقطقات مطرها الناعم، فإن الرَدَّة عندما تغضب على شخص أو شيء تمسح اسمه من الوجود. مازلتُ أذكر والبسمة تعلو شفتي فعلتها الماكرة بصاحب محطة شل الذي أراد في البداية تسميتها باسم قريته “محطة الديل”. لقد شعرتْ الرَدَّة بطعنة نجلاء في قلبها، لكنها تماسكتْ وابتسمت في هدوء، وفي الليل أغرت به صبيانها فكسروا اللافتة، وعندما لم يعِ صاحب المحطة الدرس وأعاد الكرة في اليوم التالي بتعليق لافتة جديدة وكأن شيئا لم يكن، كررت ابتسامتها وفعلتها في هدوء عجيب، حتى استسلم صاحبنا وآمن أن ما للردة للردة وما للديل للديل، فغيّر اللافتة إلى”محطة شل الرَدَّة”.

مقالات ذات صلة