نعم  لحبس المدين …. لا لحبس المدين

المحامي يزن محادين

في الوضع الطبيعي المستقر كنت من مؤيدي وجوب بقاء المبدأ القانوني القاضي بحبس المدين المتعنت عن السداد ضمن ضوابط ومعايير مدروسه بعنايه ، وادافع عن هذا الرأي الذي يحتمل الصواب والخطأ بأن حبس المدين يراعي طبيعة مجتمعنا ويحميه من مخاطر اجتماعية وخيمه ، حيث أن الغاء حبس المدين سيؤدي غالباً في المجتمعات الريفية الى تفاقم العنف المجتمعي كون ارتضاء الدائن بسلطة الدولة وقدرتها على تحصيل حقوقه سيتعرض الى انتكاسة ثقة ، كون مشاهدة الدائن للمدين يستمتع بإدنى رفاهية من كماليات الحياة في حين أن الدائن في حاجة الى سداد قسط أحد ابنائه الجامعي سيجعل الدائن ساخطا بأن المدين يتنعم في امواله التي هو بأمس الحاجة لها ، وحيث لا سلطة للدولة في تحصيل الدين أو على الأقل التكدير على المدين ليسعى في سبيل السداد  فسيتوجه الدائن الى استيفاء حقه بالذات ومن هنا تبدأ سلسلة الدم التي لا تقارن تبعاتها بسلبيات حبس المدين المتعنت ، وعلى صعيد آخر في مجتمع المدينة فأن الغاء مبدأ حبس المدين سيؤدي الى تفاقم وتفشي ظاهرة الأتاوات الموجودة أصلاً ،ويتجنبها في الوقت الحالي المواطن الذي يرغب العيش تحت مظلة القانون ولكن في ظل الغاء مبدأ حبس المدين سيصبح الهاجس لدى الدائن في مجتمع المدينة بأن الاستعانة بأصحاب الأتاوات و أصحاب السوابق هي الطريق الوحيد لتحصيل حقوقه لتراخي الدولة عن معاقبة المدين عن تعنته في سداد حقوق الآخرين.

ويجب أن لا نغفل ايضاً  أنه في نهاية المطاف فأن الدائن يطالب بحقه والذي قد يكون بحاجته أكثر من المدين، فالدين لدى المدين المتعنت قد يكون نفقة أولاد سيدة مطلقة أو حقوق أيتام قصر او حتى ديون تاجر عليه التزامات للبنوك  ، كما أن قانون التنفيذ قد راعى بعض الأعتبارات في فرض حكم الحبس فلا حبس للمرأه الحامل والقاصر وموظفي الدولة ويؤجل حبس المريض، وأن كانت هذه الأعتبارات تحتاج لإعادة دراسة .

وبالتالي فأن الخير الجمعي للمجتمع يكون في الأبقاء على مبدأ حبس المدين لتجنيب المجتمع ويلات أشد وطأة من حبس المدين .

كل ما سبق هو في الوضع الطبيعي لأستقرار الحياة اليومية  ، ولكن في ظل جائحة كورونا فأن الأمور تختلف كثيراً وعلى خلاف رأي شريحة كبيرة من الحقوقين والمحامين الزملاء أعتقد بأن الكفة هنا ترجح لمراعاة مصلحة المدين المتضرر الذي يرغب بسداد الدين و الذي لربما كان ملتزماً بسداد الأقساط المفروضة سواء ودياً أو قضائياً قبل الجائحة ولكن انهاء عمله أو تردي تجارته أو حرفته أو اياً كان مصدر دخله أدى الى تخلفه  عن سداد ديونه و اقساطه ، ليس تعنتاً أونكراناً لحق الدائن انما بسبب انعدام فرص العمل لتأمين دخل لتأدية الألتزامات ، فمن منا لا يعرف صديقاً أو قريباً تم انهاء خدماته ولا يجد فرصة عمل آخرى أو صاحب حرفة أو تجارة اضطر الى اغلاق مصدر رزقه لتردي الوضع الأقتصادي .

واتفق مع الرأي الآخر بأن هناك من يحاول الأستفادة من تبعات جائحة كورونا للتنصل من التزاماته رغم مقدرته على الوفاء بها ، ولكن هذه الفئة  ليست عذراً يسمح لنا بالتغاضي عن السواد الأعظم الذي تأثر فعلاً بالوضع الأقتصادي المتردي الناشيء عن جائحة كورونا والذي لا يجوز أن نسحقه للاقتصاص من الفئة المتنصله ، وبالتالي تكون العواقب على هذه الفئة التي تستحق الدعم في حين لن تتأثر الجهة الآخرى المتنصلة لقدرتها على سداد الأقساط .

في النتيجة اعتقد أنه من الصواب التوقف عن اصدار أوامر حبس المدين خلال فترة تأثر المملكة بالعواقب الأقتصادية لجائحة كورونا والتي قد تمتد الى فترة زمنية بعد انتهاء الجائحة على أن يعود العمل بمبدأ حبس المدين بعد انتهاء هذه الجائحة . 

مقالات ذات صلة