الخبير القانون الحموري : في قانون الضريبة سوابق خطيرة في صياغة نصوص التجريم

بعيداً عن الأرقام والزيادات الضريبية التي أحدثها مشروع قانون الضريبة المعدل بما لها وما عليها، لفت انتباهي عدد من المبادئ القانونية الجديدة التي أضافها مشروع القانون، والتي قد تشكل سابقة في التشريع الأردني.

وسأتناول فيما يأتي أربع مسائل جديدة جاء بها القانون، أرى أنها جديرة بالبحث والمناقشة، ولن تكون بالترتيب الوارد بمشروع القانون:
أولا: إن من أساسيات التشريعات الجزائية في دول العالم المتحضر، وحتى شبه المتحضر، أن نصوص التجريم يكون لها خصوصية من حيث وجوب دقة الوصف والمدلول. ففي الوقت الذي تضع فيه التشريعات الأخرى نصوصا وقواعد عامة قد تكون قابلة للتفسير بأكثر من وجه، يجب أن تكون النصوص التي تحدد الأفعال المجرمة محددة بشكل قاطع لا يقبل التأويل والاختلاف نظراً لما ترتبه هذه النصوص من تجريم للمواطنين وغيرهم. وقد سار المشرع الأردني على هذا المنوال منذ إمارة شرق الأردن وحتى الآن. إلا أن المادة (40/أولاً/ب) من مشروع القانون أوردت نصاً، أرى أنه ابتعد كل البعد عن المستقر في صياغة نصوص التجريم. فقد نصت المادة المذكورة على أن يعد جريمة مالية مخالفة (التشريعات المتعلقة بالأراضي والعقارات … وأي تشريعات أخرى تتعلق بعمل دائرة الأراضي) وكذلك مخالفة (أي تشريع يتعلق باللوازم والعطاءات). إن حجم الاتساع والعمومية في هذا النص أمر لم أره أو أسمع عنه في أي نص تجريم في الأردن أو غيرها. ففي الوقت الذي يستطيع أغلب، إن لم يكن جميع، القانونيين تحديد عناصر أي جريمة من قراءة نص التجريم الخاص بها وتحديد الأفعال التي يعد ارتكابها جريمة، أعترف أنني غير قادر على التحديد الدقيق للأفعال التي تعد مخالفتها جريمة مالية بحسب النص السابق، وأزعم أن كثيرين من القانونيين، إن لم يكن جميعهم، غير قادرين على هذا التحديد. إن عدم قدرة أي منا تحديد الأفعال التي يعد الإقدام عليها جريمة، هو أمر في غاية الخطورة، وهو في الوقت ذاته سابقة خطيرة في صياغة نصوص التجريم.
ثانياً: نصت المادة (40/أولاً/ب) من مشروع القانون كذلك، على أن لمجلس الوزراء اعتبار أي جريمة، جريمة مالية. أي أن مجلس الوزراء يستطيع أن يعد مخالفة السير أو أي مخالفة بسيطة جريمة مالية، وفي هذا خطورة كبيرة؛ إذ إن الأصل أن الأفعال الجرمية تحدد بقانون يعرض على السلطة التشريعية، وأن تكييف الجرائم ومدى انطباق الوصف الجرمي عليها أمر يقرره القضاء وحده بحسب أحكام (103) من الدستور، فكيف تعطى الحكومة مثل هذه السلطة؟
ثالثاً: حملت المادة (11/رابعاً) من مشروع القانون، المدير العام والمفوض بالتوقيع عن الشركة المسؤولية عن عدم توريد الضريبة بأموالهم الخاصة. أي، إن كانت الشركة تعاني من صعوبات مالية، ولم تورد الضريبة فيتم ملاحقة المذكورين بأموالهم الخاصة. ووجه الخطورة في هذا النص أنه يهدم استقلال الذمة المالية للشركة ومحدودية المسؤولية في الشركات، وهذان مبدآن استقرا في العالم منذ ما يزيد على قرنين. فكيف يمكن للتجار تأسيس شركات في الأردن والولوج للتجارة مع ما تكتنفه من ربح أو خسارة في ضوء مثل هذا النص، وكيف ستجد الشركات أشخاصا مؤهلين ليديروها في ضوء مثل هذه المخاطرة؟
رابعاً: نصت المادة (14) من مشروع القانون على إلزام الأشخاص الذين يتجاوز دخلهم مائة ألف دينار في سنة معينة بدفع ضريبة في السنة التالية على أساس 80 % مما دفعه في العام السابق. والإشكالية في هذا النص تكمن في شقين؛ الأول أن من يكون دخله مائة ألف دينار، فرداً كان أم شركة، ليس بالضرورة أن يكون ممن يحققون أرباحاً أو حتى أرباحاً مجزية، فقد تكون نفقاته المقبولة ضريبياً تسعة وتسعين ألفا، وبهذا يكون مجموع أرباحه السنوية ألف دينار. الإشكالية الثانية، تكمن في أنه من يحقق في سنة ما دخلاً وأرباحاً مرتفعة، قد يمنى بخسائر في العام الذي يليه، ومع هذا يلزمه النص بدفع ضريبة خلال العام الذي خسر فيه، بالرغم من خسارته. فمثلاً، إن حقق تاجر أو شركة في عام معين ربحاً مقداره مائتي ألف دينار، وقامت بدفع ضريبة مقدارها أربعين ألف دينار، فهي ملزمة في العام الذي يليه بدفع 80 % من ضريبة العام السابق خلال السنة؛ أي أنها تلزم بدفع اثنين وثلاثين ألف دينار حتى وإن كانت تمنى بخسائر. إن هذا النص قد يصيب بعض الشركات التي تواجه أزمة مالية في عام معين بتأزيم مضاعف بسبب هذا النص.
وفي النهاية، فمن الضروري أن تحظى هذه الإشكاليات بالنقاش والتمحيص الذى يستحق، وأن لا يتم تجاهلها بسبب الحاجة إلى الاستعجال لإقرار مشروع قانون جديد للضريبة قبل نهاية العام الحالي.

مقالات ذات صلة