ليس كل ما قدمته الحكومة مناسبا وليس كل ما عارضته النقابات خطأ – محمد داودية

استرد مجمع النقابات المهنية الدور السياسي التقليدي، الذي لو لم يسترده ويتصرف ويمسك بدفة قيادة معارضة مشروع قانون ضريبة الدخل المعدل، لانتقل الرفض الى الشارع ولتفاقم ولربما تحول إلى سخط وانتقل من رفض «سيندكاتي» إلى رفض سياسي.

 

فثنائية القبة والشارع حالة اردنية عربية عالم- ثالثية. سببها ان تمثيل المواطنين ليس كافيا، والناس ليست مولعة بالنزول الى الشارع ما دام الذين يمثلونها يقومون بدورهم على أكمل وجه. فعندما يجد الناس من يحمل همومهم ويعبر عنها فإنهم يلتزمون مواقعهم.

ليس كل ما قدمته الحكومة مناسبا. وليس كل ما عارضته النقابات خطأ. ومن هنا فإنني اجد من الخطأ الجسيم رفض مشروع القانون بكل مواده. فنحن نطالب بالحاح بتنفيذ أبرز بنوده وهو مكافحة التهرب الضريبي.

ان «الضغط» على مجلس الأمة لإقرار مشروع القانون المعدل لضريبة الدخل بصيغته الراهنة هو ضغط لن يتم، فمركز القرار اكثر خشية ان يلحق الضرر بصورة المجلسين: النواب والأعيان. والمطلوب هو الاتفاق على مواد الرفض والإجماع، التي تختلف من قطاع إلى قطاع حسب المصلحة.

الخطأ الاستراتيجي في مشروع القانون الذي قدمته الحكومة، كان في دمج النار مع الثلج. فمثلا تم دمج التهرب الضريبي، الذي هو مطلب وطني وقانوني واخلاقي وديني، والمقدر ب 200 مليون دينار سنويا، مع خفض الإعفاءات من ضريبة الدخل من 28 إلى 16 ألف دينار!! هذا الدمج الذي يمس شريحة ليست قليلة العدد من الطبقة الوسطى، وغيره، جعل العديدين ضد مشروع القانون وسخّرَهم وجعلهم يشتغلون بالمجان عند المتهربين ضريبيا.

إن الإجراءات التي تحقق نتيجة ايجابية مؤكدة، هي إجراءات «العزل والتطويق والابادة». وهي إجراءات يشاهدها المواطن بوضوح على قناة «ناشيونال جيوغرافيك وايلد» حيث تلجأ اليها، وليس إلى غيرها، الأسود والفهود والسباع والضباع، التي تعزل طرائدها وتحاصرها وتطاردها وتجهز عليها. اذن كان يجب عزل المتهربين ضريبيا وتطويقهم وإبادة قدرتهم على التهرب والحد منها.

مشروع القانون سيناقش في مجلس النواب في دورته الاستثنائية. والمؤكد، أن تجري عليه دفعة من التعديلات الجوهرية، يمكن تلمس ملامحها ومؤشراتها من البيان الواضح الصادر عن رئيس مجلس النواب أمس.

ان «جدار الصد» الذي يتمثل في مجلسي الاعيان والنواب، آخذ في التشكل. فقد أكد المهندس عاطف الطراونة رئيس مجلس النواب على فتح حوار وطني شامل حول مشروع القانون سيبدأ يوم الاثنين المقبل. والشغل الكبير والفعال الذي سيحقق النتائج المرجوة هو تحت القبة.

واعتقد أنّ على الحكومة أن تنفتح من الآن على مجلس النواب وان يحضر مراقبون عنها الحوارات التي سيعقدها المجلس في العطلة البرلمانية للاستفادة من مقترحات القطاعات الصناعية والتجارية والمالية والمصرفية والزراعية ومجلس النقباء، مع التاكيد على عقوبة التهرب الضريبي وتطوير ادوات التحري ووسائله. ولنا في خبرات الشعوب المتقدمة في هذا المضمار النموذج والبوصلة.

مقالات ذات صلة