عن عمالة الأطفال يا صاحب القرار… د. منى عيد أبو جامع

  • أعلنت منظمة اليونيسف مؤخرا عن اطلاق برنامجها للحد من عمالة الأطفال في عمان والزرقاء، مستهدفة 400 طفل هم الأكثر هشاشة كما وصفتهم المنظمة، البرنامج يهدف إلى دعم هؤلاء الأطفال نفسيا واجتماعيا، ومساعدتهم على تلقي فرص التعليم واكتساب المهارات وريادة الأعمال والتدريب.

محمد (اسم مستعار) ذو العشرة أعوام، إن سمع عن البرنامج قد يفرح، وقد لا يحرك ساكنا فنسبة احتمال أن يكون ضمن هؤلاء الـ 400  ضعيفة، هو يعمل حاليا في سوبر ماركت ليساعد أهله على تلبية أدنى متطلبات المعيشة، وخصوصا بعد انتشار جائحة كورونا حيث لم يعد والده على رأس عمله، ففقدان الوظائف هي أهم آثار كورونا الاقتصادية، محمد كان سابقا يعمل في الإجازات، وأحيانا بعد الظهر، أي أنه كان مع أقرانه على مقاعد الدراسة. ولكن قد يضطر إذا بقيت الأحوال على ما هي عليه أن لا يعود للدراسة حتى وإن كانت عن بعد، فهو لا يمتلك أدواتها، لا يمتلك جهاز حاسوب أو حتى هاتف ذكي، وليس لدى عائلته اشتراك في الانترنت، لكن الحكومة وعدت بالمساعدة على توفير تلك الأدوات، حينها فقط، وربما حين يجد والده عملا قد لا ينضم  محمد إلى ما يزيد عن 76 ألف طفل يعملون في مدن وقرى الأردن.

الحكومة التي وعدت محمد وأقرانه هي ذاتها الحكومة التي تصدر الاحصائيات والأرقام والتقارير، وهي ذاتها التي تنادي بتقييم الوضع وضرورة إيجاد الحلول، وإن كانت هي صاحبة قرار، فأود أن أخبرها بأننا لا نحتاج إلى مراجعة التشريعات ولا الاتفاقيات الموقعة من قبل الدولة على الكتب والمواثيق المتعلقة بحقوق الانسان، لا العربية ولا الأممية منها، فهي كثيرة ومصاغة ومرتبة وتلامس المشاعر وتعد بالآفاق المستقبلية وبالحياة الأفضل لأطفالنا. كما لا نحتاج للاطلاع على عدد الضحايا بسبب اختراقات تلك القوانين والاتفاقيات فالقصص كثيرة، ليس فقط على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي وفي المواقع الإلكترونية بل في شوارعنا وأحيائنا ومدارسنا ومطاعمنا ومحطات وقودنا ومصانعنا، نرى ونغمض أعيينا، أحيانا نحاول أن نجد المبررات وأن نصوغ العبارات، فهذا هو الحال والوضع صعب على الكل “الله يعين الناس”.

في دراسة نشرتها الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في وقت سابق، أظهرت تزايد عدد الأطفال المنخرطين في العمل لمساعدة أسرهم إلى عدة أسباب ودوافع؛ فذوي هؤلاء الأطفال يرون أنهم أقل عرضة للاعتقال والمقاضاة، فيما يجدهم أصحاب العمل أقل أجرا من البالغين وأكثر مرونة بالنسبة إلى عدد ساعات العمل، وأسهل إدارة، وأقل خسارة فيما يتعلق بالغرامات، إذ يقتصر الأمر على توجيه التحذيرات من قبل مفتشي العمل، وحيث امكانية التهرب من العقوبة (الغرامة) أمر ممكن.

هذه الأسباب وتفصيلاتها من المؤكد أنها ليست خافية على أحد، كما لا يخفى أن تلك العمالة التي تتوزع بين الحيازات الزراعية الصغيرة الحجم وقطاعي الزراعة والصناعة في القطاع غير النظامي، وأنها تتعرض للعديد من المخاطر عدا عن التسريب من المدارس وفقدان الحق في الحصول على فرصة التعليم، فقد يتعرض أولئك الأطفال إلى مواد كيميائية تتفاوت درجة خطورتها،  ويضطرون إلى رفع أحمال ثقيلة لساعات طويلة والانحناء والوقوف المتكرر للعمل على ارتفاعات عالية ولساعات طويلة تحت أشعة الشمس والعوامل المناخية الصعبة، واستخدام أدوات خطرة مع الافتقار إلى لوازم الحماية والاسعافات الأولية في مواقع العمل، بل أضيف إلى مجالات عملهم حاليا قطاع مكبات النفايات.

 فيا صاحب القرار، إذا أردت أن تقضي على ظاهرة عمالة الأطفال، عليك أن تتدخل وفورا لاتخاذ ما يلزم لإنفاذ القوانين وأنظمة عمل الأطفال التي صادقت عليها دولتك مع منظمة العمل الدولية واليونيسف والفاو، وتحديث ما ينبغي تحديثه، كالموائمة بين الحد الأدنى لسن العمل مع سن التعليم الإلزامي، وإخضاع كافة مجالات العمل لتلك القوانين، وعدم تعمد ترك بعضها خارج تعريف العمالة كالزراعة والعمل المنزلي، وضرورة تحديث تعريف الأعمال الخطرة لتشمل الأشكال المختلفة والمتعددة الخطورة. هذا عدا عن أهمية مراجعة القوانين المتعلقة بإعادة التحاق الطلبة المتسربين من المدارس وتبسيط الإجراءات ذات العلاقة. على أن هذه المراجعات والتحديثات تحتاج بشكل أساسي للدراسات والتقرير المبنية على بيانات ودراسات ومسوحات دقيقة وحديثة متعلقة بهذه العمالة والسياق الاجتماعي والاقتصادي التي تعيش فيه، كما تحتاج إلى تنسيق أفقي وعمودي مع كافة الجهات المعنية سواء الوزارات والهيئات والمديريات المعنية كل في مجال اختصاصهـ، أو المنظمات الدولية ومنظمات مجتمع محلي.

وإن أردت يا صاحب القرار، فإنه بالإمكان العمل على تخفيف حدة الآثار الناتجة عن الصدمات التي تتعرض لها الأسر لتصبح عرضة للبطالة فالفقر، من خلال إعمال اتفاقيات العمل اللائق والآمن وبأجر ملائم للشباب والبالغين وتوفير فرص عمل أعلى لليد العاملة الماهرة، مما يرفع مستوى الطلب على التعليم وانخفاض الاتجاه إلى عمالة الأطفال. وإن كان ذلك يعد صعبا في ظل الجائحة الحالية، لكن لا بد من الحلول المستدامة، وألا نركن إلى المساعدات والبرامج الدولية المؤقتة، ولا نقلل من أهميتها ودورها في حال أتمت عملها بنزاهة وشفافية، على أن تدعم تلك البرامج بحزمة من الإجراءات الهادفة إلى تخفيف المخاطر من خلال نشر الوعي المتعلق بالسلامة والصحة المهنية وتأمين الفحوصات الطبية في مكان العمل، وكذلك الوعي بتجنب الأخطار المهنية، على سبيل المثال أخطار المبيدات وكيفية التعامل معها للعاملين منهم في القطاع الزراعي.

نثمن برنامج اليونيسف، ولكن لا بد من حلول جذرية داخلية.

 

 

مقالات ذات صلة