الضَريبة في مَلعبِ النوّاب.. سلامة الدرعاوي

مَشروعُ قانون ضَريبة الدخل لحكومة الرزاز يَختلفُ كثيراً عن مَشروعِ قانونِ المُلقي المَسحوب، والدليل على ذلك ردةُ فعلِ الشّارع المُختَلِفة والمُتباينة من كلا المَشروعين.

المَشروع المَسحوب السابق أثارَ اِنتفاضة شَعبيّة في كافةِ أنحاء المملكة، وأدت في النهاية إلى إسقاطِ الحكومة حينها، بينما المَشروع الحالي أثارَ اِستياء مُتَوقعا من غالبية الشّارع والفعاليات، لكن الأمر لمّ يَخرج من حالةِ الإحباط التي يعيشُها غَالبيةُ المواطنين والفعاليات الاقتصاديّة، لكن الجَديدُ هُنا أن المُطالبات بالتعديل لمّ تنتهِ على هذا النحو، بل استمرت من قبلِ الجميع للمُطالبةِ بإجراء تعديلاتٍ جوهرية على القانون لكن تحت قُبّة البرلمان هذه المرّة، وليس في الشّارع.
الآن مجلس النوّاب صَاحِبُ الولاية الدستوريّة الكاملة في مُناقشةِ مَشروعِ قانونِ ضَريبة الدخل والنوّاب اليوم امام تحدٍ كبير في هذا المشهد الذي لا يخلو من الشَعبويَة، لكن الأهم من ذلك كله انهم امام استحقاقات وطنيّة هامة على صعيد الاقتصاد الوطنيّ.
فالتحدي الأول يَكمُنُ في اِستعادة حضورِ المجلس في المشهد العام للدولة كمؤسسة لها وزنها وثِقلُها في إدارة الدولة ومراقبةِ أداء الحكومة وأنها خارجُ عباءتها، والقانون يعطي للنوّاب فُرصةً كبيرة للتحرك في هذا الأمر، لكن يَكمُنُ الوجه الآخر لهذا الأمر هو الموازنة بين مُتطلبات إعادةِ الاعتبار للمجلس في الشّارع وبين مُتَطلبات المصلحةِ الاقتصاديّة العُليا للدولة.
المَقصودُ هُنا هو إيجادُ معادلة توازن حقيقية بين ضَمان قدرة الدولة على تمويل نفقاتها من جهة، والحفاظ على الأمنِ المَعيشيّ للمواطنين من جهةٍ أخرى، وتلك مُعادلة صعبة للغاية وتتطلب جُهداً عَظيماً من السادةِ النوّاب لإنجازه، وهنا يَكمُن التحدي الاخر وهو الخروج من الأطر الشعبويّة التي تُحيط بالنوّاب مع ناخبيهم خاصة وان الانتخابات المُقبلة قاربت ولم يتبق سوى دورتين.
نعم يَحق للنائب أن يَعتَمد الشَعبويّة في خطاباته وادائه أيضا، وهذا حقٌّ لهُ، لكن التمييز مطلوب ما بين الجهد الرامي إلى تحقيق الاستقرار الكُلّي للاقتصاد الوطنيّ، وما بين المصالح المَنَاطقية للنوّاب، فالأمر مُختلفٌ جذرياً في كلا الجانبين، وهذا لا يعني ان مشروع قانون الضريبة الحالي هو الذي سَينقذُ الاقتصاد الوطنيّ من أزمته، لكن النوّاب اليوم مُطالبين بأفضل أداءً رقابيّ على الحكومة التي تؤكد على الدوام انها ستقوم بخطةٍ تَنفيذيّة للعامين المقبلين، كخطوة أساسية لوضعِ الاقتصاد على المسار السَليم، هُنا يأتي دور النوّاب في الرقابة والتقييم لأداء الحكومة، والتأكد من فرضيّات الحكومة في التَشريع الضَريبيّ الأخير انها سليمة وتُحققّ الهدف المرجو منها وهو تحقيق مُعدلات نمو قادرة على الاستدامة.
التحدي الاخر الذي سيواجه النوّاب هو اِنتزاع المبادرة الشعبيّة من النقابات المهنيّة التي استطاعت قيادة مشهد الاحتجاجات الاخيرة والتفاف الكثير من القوى المختلفة حولها، تاركة مجلس النوّاب في فلك الحكومة، والنظرة الشعبيّة إليهما سواء، مما افقد المجلس أيَّ دورٍ ليلعبه في إدارة الأزمة، لا بل أاتهِمَ انه شريكٌ للحكومة.
هُنا يَتَطلع النوّاب لتجاوز النقابات وغيرها من المؤسسات وإعادة الاعتبار لدوره بانه هو ممثلُ الشّارع الأساسيّ وسيكون الان بمقدوره التحاور مع كافة قوى المجتمع لتعديلِ مَشروع قانون الضَريبة ، لكن التحدي يَكبر في سقف المناورة للنوّاب في مَشروع القانون والتحرك في تعديله بشكل يوازن بين المتطلبات الخارجية وحالة الاحتقان الشعبيّة الداخليّة، والشيءُ المُظلم في هذا الأمر هو أن تظهر المُزاودات الشعبيّة غير المَدروسة لبعضِ النوَاب مثل اِقتراحات مُختلفة تُعيدُنا الى المُربع الأول لازمة الضَريبة، وهو الأمرُ الذي سيؤدي حتماً إلى تَصدعُ علاقة الأردن مع المانحين والمؤسسات الدولية.
لا شكَ أن المَرحلة المُقبلة للنواب سَتَكونُ حساسة للغاية ما بين الضغوطِ الشعبيّة وما بين ضغوط الحكومة بإقرار مَشروع قانون ضَريبة الدخل، فهل سينجح النوّاب في إنجاز قانون يوازنُ بين كافة المُتَطلبات الخارجيّة والتحديات الداخليّة؟، هذا ما سَتكشفه الدورة العاديّة المُقبلة.

مقالات ذات صلة