ربما ليست تعديلا وحسب

“من الواضح أن السخرية العاصفة التي أعقبت التعديل الحكومي الأخير على وزارة الدكتور عمر الرزاز، عكست وبوضوح الرفض الشعبي “غير الجارف حتى الآن” لا للتعديل وحسب، بل لكل ما يحدث في المشهد الأردني وقد بلغ الضيق أشده عند الأردنيين، واشتد الحصار على المواطن حتى بات لا يعرف بمن وبماذا يثق، ولماذا يثق؟

المشهد – مشهد التعديل- فيه التقاطات كوميدية عديدة، أبرزها إعادة إنتاج الوزير سلامة حماد، وزيرا للداخلية طبعا، فالرجل المنقوع بالهواجس الأمنية تركيبته لا يمكن أن تضعه وزيرا للتنمية الاجتماعية، ومن الصعب على رجل بعمره وخبرته ما قبل “الأنالوغ” ان يكون قادرا على إدارة وزارة تكنولوجيا المعلومات أو الريادة الرقمية حسب الإسم الجديد لها!!

 

التداعي الكوميدي الفانتازي يستمر إذا تخيلنا الوزير “الشرس” سلامة حماد بتقاطيع وجهه القاسية جدا جالسا جنبا إلى جنب مع الوزير الديجيتالي بامتياز ورائد “الرقمية” في الحكومة مثنى الغرايبة، ولك ان تسرح ما شئت بشكل الحوار “البناء” بين الوزيرين “الضدين”، وهذا يثبت بلا شك قدرة الدكتور عمر الرزاز الاستثنائية على ثني قواعد الرياضيات الصارمة فتسقط مقولة “المتوازيان لا يلتقيان”!! وتصبح حكومة الرزاز حكومة ما بعد هيغلية ” نسبة إلى هيغل” من خلال نظرية جديدة هي “تناسق الديالكتيك” و انسجام الشيء مع ضده.

 

التداعي الفانتازي الساخر يأخذ مداه أيضا لنتخيل الطريقة التي يمكن للرئيس نفسه ان يتعامل بها مع وزير الداخلية، خصوصا أن خبراء نبش الانترنت، استطاعوا الوصول إلى تغريدة تعود إلى عام 2016 للرزاز نفسه وهو ينتقد وزير الداخلية آنذاك على بطشه ضد شباب معترضين ومعارضين، ويا سبحان الصدف..إنه سلامة حماد نفسه.

 

طيب..فلنضع السخرية على الرف الآن، ولننتبه إلى ما يمكن أن يتيسر لنا قراءته في المشهد الأخير..مشهد التعديل.

 

أولا، لا يوجد تفسير ظاهري واضح لأسباب التعديل، فالحكومة بوضعها السابق قبل التعديل، حكومة ممتازة ومتوافقة مع معطيات الواقع “الممنوح لها”، ومتماشية بأدائها مع هامش “الولاية” المسموح لها به. لكن في العمق، فإن التعديل الحكومي ضرورة مع ما يشبه تغييرات جوهرية عميقة جدا في شكل و صيغة الدولة الأردنية، وهو تعديل معطوف عطفا على تغييرات قام بها الملك ( ولا يزال يقوم بها) في مفاصل تلك الدولة التي مسختها التجارب والتغييرات بعد انهيار المؤسسية فيها، وتكاثر انشطاري غير مسبوق للمرجعيات خارج مدار الدستور، وهذا الدستور نفسه، لم يسلم من التغيير.

 

ثانيا، فإن قضية تغيير أسماء الوزارات والحقائب، ليس مجرد تغيير ملصقات مطبوعة أو ترويسات الورق الرسمي، تغيير تلك الأسماء يعني تغيير في المسميات نفسها، وهذا يتطلب بالضرورة تشريعات وقوانين جديدة لتلك الوزارات، تضع لها وظائف جديدة، صلاحيات جديدة، ونطاقات أوسع أو أضيق، حسب المشرع والتشريع.

 

نحن الآن لا نتحدث عن وزارة الشؤون البلدية التي ينظمها قانون يحدد ماهيتها ونطاقها، بل امام وزارة إدارة محلية، وهذا مفتوح حسب أي تشريع قادم على ما هو أوسع ربما من بلديات ومجالس قروية.

 

وزراة الاتصالات التي تغير اسمها ” بقانون” من مصلحة معنية بالبرق والبريد والهاتف، وقد اختفت خدمة البرق وتلاشت خدمة البريد وصار الهاتف وخطوطه التقليدية تراثا متحفيا، هي اليوم “الريادة الرقمية”، وهذا تغيير ثوري في المسمى، وصلاحياته ونطاقه، يتماشى مع العالم الجديد الذي نعيشه، لكنه يضع الدولة كلها أمام تحديات جديدة وكبيرة، يجب على المشرع ان ينظمها بقانون.

 

ثالثا، وهو مرتبط بما سبق، فإن هذا المشرع المفترض ليس إلا البرلمان بغرفتيه، النواب والأعيان!! مما يضعنا أمام تساؤلات بحجم الكوكب، عن قدرة مجلس النواب الحالي مثلا على فهم وإدراك تلك التغييرات، هذا المجلس المفضوح والفاضح بكل مسيرته منذ انتخابه، بقانون انتخاب لا يمكن أن يتماشى مع أي شكل قادم وجديد لدولة تبحث عن معطيات “إدارة محلية” ضمن منظومة” ريادة رقمية” بمفارقة وزير “أمن داخلي” لا يزال يعتبر “التلكس” نفسه بدعة من الشيطان.

 

رابعا: واضح أن هناك إزاحة للمخابرات، لأول مرة في تاريخ تشكيل الحكومات الأردنية. لا يوجد ما يوحي أن هناك بصمة للجهاز في التعديل، وما يثير الريبة في ترسيخ هذه النظرية، أن الهجوم على التعديل شارك به وبشراسة ذوات من أصحاب المعالي والعطوفة المحسوبين على الجهاز نفسه.

وختاما..

هي عجالة أكتبها الآن…متريثا على أمل ان يكون القادم من الأيام يحمل الأوضح..في كل هذا الأفق الباهت.

 

بقلم مالك عثامنة

مقالات ذات صلة