جنون اسعار الأدوية إلى أين؟

بقلم الدكتور عاصم منصور

حرير – أقرت دولة قطر مؤخرا استخدام علاج زولينجر والذي يعتبر الدواء الأغلى في العالم والذي يستخدم في علاج مرض ضمور العضلات الشوكي حيث سيحصل المرضى القطريون على هذا الدواء والذي تربو كلفة الجرعة الواحدة منه عن مليوني دولار لتكون ثاني دولة تقر استخدامه بعد الولايات المتحدة الأميركية.
لقد فتح هذا الدواء بُعَيْد الإعلان عنه وعن تكلفته الفلكية نقاشا وجدلا واسعين حول الجوانب الأخلاقية لأسعار الأدوية، ولاتجاه مؤشرها صعودا بتسارع جنوني مما سيؤدي حكما إلى اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء في مجال الطب والذي يعتبر أحد عناصر حقوق الإنسان الأساسية، وتساءل الكثيرون هل من المعقول لعلاج ما أن يُكلف الملايين.
ولا يشكل هذا الدواء استثناء لكنه تجاوز كل السقوف، حيث أن سوق الأدوية متخم بأعداد كبيرة من الأدوية باهظة الثمن بحيث أصبحت الأدوية من ذوات الخانات الخمس أمرا اعتياديا في ممارساتنا اليومية.
تعترض صانعي القرار عند تعاملهم مع هذه القضية الشائكة معضلة الموازنة بين تشجيع شركات الأدوية على الاستثمار في الابحاث والتطوير بغية الوصول الى اكتشافات جديدة خاصة في مجال ما يُسمى بالأدوية اليتيمة والتي تُستخدم لعلاج الأمراض قليلة الانتشار من خلال توفير حوافز اقتصادية وتشريعية وبين كبح جماح أسعار الأدوية المنفلتة.
فقد ساهمت الإعفاءات الكبيرة التي تحصل عليها الشركات، والمرونة في التسعيرة والموافقات في فتح شهيتها للاستثمار في هذه الأدوية على حساب أدوية الأمراض الأكثر انتشارا والتي اصبحت اسعارها “محروقة”، مما أدى إلى استئثار هذه الأدوية بنصيب الأسد من الإنفاق على الأدوية رغم قلة عدد المرضى المستفيدين منها.
تعلل شركات الأدوية أسعارها الخيالية بالكلفة العالية للبحث والتطوير لكن هذه الإدعاءات تتهاوى أمام واقع بعض التسريبات عن كلفتها الحقيقية لذلك تعمد هذه الشركات إلى احاطة هذه الكلف بستار حديدي من السرية لكن المؤكد هنا أن ما يحدد أسعار الأدوية هو قدرة السوق على التحمل والمستهلك على الدفع وأن هناك تواطئا غير معلن بين عمالقة تصنيع الأدوية يضمن عدم دخولها في منافسة حقيقية ستفضي حتما إلى هبوط الأسعار.
نحن مدعوون الآن أكثر من أي وقت سابق لتوحيد الجهود العالمية على مستوى الدول والمؤسسات ومجموعات دعم المرضى للضغط على شركات الأدوية والمؤسسات المُسَعِرة للأدوية لإجبارهم على خفض أسعار الأدوية وإلا فإن غياب العدالة في الحق في الصحة سيزداد ليبلغ مستويات خطيرة، فالدول الصغيرة لا تملك بين ايديها أوراقا للضغط على شركات الأدوية بحكم ضعف تأثيرها في حركة السوق العالمية وتبقى أوراق اللعب جميعها بين ايدي الدول الكبرى ذات القوة الشرائية الكبيرة فهي التي تضبط ايقاع السوق وترسم حدود الملعب، لكن التحالف غير المقدس بين رجال السياسة والأعمال ما يزال يجهض أي تحرك من قبل الرأي العام للجم جنون الأسعار.

مقالات ذات صلة