الخصاونة والشباب الأردني وتجاوز الماضي

مهند مبيضين

حرير- أطلّ رئيس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة، على جمع كبير من طلبة جامعات إقليم الوسط في الأردن، في لقاء حواري في الجامعة الأردنية، تلته جلسات حوارية مع الوزراء المعنيين بخطة التحديث الاقتصادي، بغية دفع الشباب الأردني إلى التفاعل مع مخرجات ثلاثية التحديث الأردني: السياسي والاقتصادي والإداري، لقاء أعلن به الخصاونة تجاوز الماضي الأمني لتعقّب الطلبة وعملهم في الأحزاب، كما أعلن تجاوز ماضي الدور الطويل في انتظار الوظيفة.

كانت خلاصة اللقاء الحواري للشباب بضرورة أن لا يكرّروا تجارب الماضي في الحصول على الوظائف وتولّي المناصب القيادية، مع الدعوة إلى التمكين وبناء القدرات والاستثمار بمساحة الحرية المفتوحة الآمنة لهم لممارسة العمل الحزبي في الجامعات، لكن مشكلة الماضي أنه طاغٍ وعميق في الثقافة المجتمعية الأردنية، وتحتاج عملية الخروج منه لسياسات وإجراءات واضحة وتطبيق للقانون وإحلال العدالة مكان الواسطة التي تسرق الحقوق.

المشكلة هنا في الاعتقاد أن التشريعات التحديثية ستدفع الشباب إلى فضاء الأحزاب بنسبٍ عالية، فالشباب الجامعي مشاركٌ حاليا بصيغة قوائم بتوجّهات فكرية سياسية: قومية وإسلامية ووطنية ويسارية ماركسية، ولكل منها عمله وتنسيقياته وداخل الجامعات وارتباطه الواضح مع الأحزاب خارج الجامعات. ويوجد تيار شبابي عريض معنيٌّ بالعمل والمشاريع الخاصة والتكنولوجيا. ويجب الاهتمام بهذا التيار العريض وتمكينه، لأنه يرفع مستوى الفعل الاقتصادي، ولا يشكل أي عبء مستقبلي أو حاضر، وهم مدرّبون جيدا ومبدعون، ويعملون وهم على مقاعد الدراسة. وللأسف، لا يلقون التمكين الكافي، مع أنهم فرصة لأي حكومة لتُحدث الفرق والتغيير.

الاعتقاد أن السياسة غائبة عن الطلبة مشكلة، فتاريخ الحركة الطلابية حاضرٌ على مدار سبعة عقود من بدء الجامعات في الأردن، بالإضافة إلى مشاركتهم الخارجية سياسيا في الأحزاب بمصر وسورية والعراق وشرق أوروبا وروسيا، حيث شاركوا بفاعلية في الأحزاب ودفعهم إلى ذلك أساتذتهم في المدارس والجامعات، وهذا ما حصل في كل مدارس الأردن، حيث كانت قبل الجامعات أرضية خصبة للسياسة والتأطير الحزبي، ويعرف رئيس الوزراء، بشر الخصاونة، بعمق هذه الحقيقة. والأزمة اليوم في عقول الأساتذة وبعض عمداء شؤون الطلبة الذين يعتقدون أنهم حماة الوطن المقدّس، وثمّة أزمة عند الموظفين والمعنيين بالشباب، وفي عمل وزارة الشباب وصيغتها الماضوية.

في حوار الخصاونة مع جيل الجامعات الذي ذكّره بأنه وصل إلى موقعه رئيس وزراء، باعتباره صناعة أردنية خالصة، أي من خرّيجي الثانوية الحكومية في مدرسة كلية الحسين العتيدة وطنيا وقوميا، حيث كان الخامس على المملكة، ثم تخرّج في الحقوق من الجامعة الأردنية عام 1990. ولاحقاً أرسل ببعثة على حساب الجامعة، لأنه كان الأول على دفعته، ثم قدّم لوزارة الخارجية وخضع لمقابلات واختبارات، وتحصّل على المرتبة الأولى، ودخل السلك الدبلوماسي، وبقي فيه 27 عاما ثم تعيّن وزيرا وعمره 47 سنة، ولاحقا سفيراً في فرنسا ثم مستشاراً للملك عبد الله الثاني ثمّ رئيس وزراء. ومن المؤكّد أن الخصاونة، حين اختير ملحقا دبلوماسيا، تغلّب كثيرا في الحصول على موافقة أمنية، كون والده الوزير هاني الخصاونة من رموز الخط القومي.

كان سرد السيرة الذاتية، التي أكدت أن الخصاونة مثل كثرة الأردنيين القادمين من القرى والأرياف إلى العاصمة، مهماً، كي يفسّر للشباب الجامعي أن العامل الذاتي، حيث التكوين العلمي الجيد، وأن الإعداد للمشاركة والطموح السياسي يحتاج روافع شتى في بلد شرق أوسطي ما زالت الديمقراطية فيه غير متمكنة أو راسخة. ولعلّ المهم، في سردية الخصاونة السيرة الشخصية، لا تتعلق في مزاياه أو سجاياه رجل دولة، فذلك مهم لمن يجب أن يحكم مصائر الناس، وهو أمر يحبّه الأردنيون فيمن هو في أعلى الهرم السياسي التنفيذي، ممن يعرفهم ويدرك معاناتهم ويفهم تقاليدهم، وتلك مسألةٌ أخرى بعدما تعرّف الأردنيون إلى الخصاونة في موقعه رئيس حكومة في زمن متبقيات كورونا والفتنة التي جعلتهم يتحسّسون من كلّ الطارئين على المشهد العام.

أما الشباب الجامعي، الذي أكّد له الخصاونة أن المعرفة في الأردن هي التي تفتح الباب للناس لتصدّر القيادة والمواقع، وقد تكون مشفوعةً بالجاه والنفوذ أحيانا، فهو موقنٌ بأن ما حدث لرئيس الحكومة بوصفه شابّاً طموحاً متفوّقاً دراسياً غير ممكن الحدوث مرّة أخرى لهم، نتيجة طبيعة تشكّل النخبة الأردنية وطبيعة الشكل القادم للسياسة في ظل التحديث السياسي، ونتيجة عمق الجهويات التي تطيح كفاءات كثيرة في أبسط الترشيحات للوظائف الحكومية، ولعلّ هذا ما دعا الخصاونة كي يقول للشباب الجامعي: “اليوم إذا بدكم تصيروا وزراء بدكم تنتسبوا لأحزاب ترشّحكم نواباً أو وزراء”. وللأسف، كانت أغلب أسئلة الشباب في كيفية الوصول إلى الدوار الرابع في عمّان، حيث مقرّ رئاسة الحكومة الأردنية، أي أن طموح الحاضرين كان في السياسة والمناصب، ولم يسأل أحد كيف يمكن له أن يكون صاحب شركة، أو كيف للحكومة أن توقف المعيقات الجمركية على مشتريات البحث العلمي أو المستلزمات التكنولويجية التي يحتاجها الشباب في مشاريعهم العلمية، وغالبا ما تواجه بعقبات جمركية وأمنية لا داعي لها.

الحديث عن التحديث السياسي في لقاء الخصاونة مع طلاب جامعات الوسط، دعاه إلى مواجهة بعض النقد، والذي أصاب التزامه بمقولة: “الأيام الجميلة لم تأتِ بعد في حياة الأردنيين”، ليردّ على ذلك بأنه، بوصفه رئيس حكومة، مطلوبٌ منه إشاعة الأمل، وليس اليأس والوعود الهوائية. لكن اللافت في اللقاء، وهو ما استفزّ أعضاء في مجلس النواب، أن رئيس الحكومة لم يتعهد بإيجاد مائة ألف فرصة عمل سنويا، كما هي طموحات خطّة التحديث الاقتصادي، وإنما أعاد الأمر إلى الظرف والتحول المطلوب تحقيقه ومدى فاعلية المجتمع والقطاعيْن، العام والخاص معا، والأهم مراجعة خطط التعليم العالي ووقف الدراسة في التخصّصات الراكدة، والتي تشير للأسف مستقبلا إلى ركود في تخصّصات الطب والهندسة، وهو أمر مقلق جدا.

السؤال هنا: كيف للحكومات أن تمنح ترخيصات لجامعات طبية في عمّان والعقبة في ظل معطيات مقلقة في بطالة التخصّصات الطبية، ألم يكن من المهم فتح جامعات خاصة تقنية ومترابطة باعتمادية دولية؟ أم أن القطاع الخاص وجد أن فكرة جني أموال الناس الذين يرسلون أبناءهم لدراسة الطب في مصر وبيلاروسيا وتركيا وأوكرانيا وغيرها هو طريق للثراء والتحكّم بأمنيات الناس، علما أن التقديرات الحكومية لكلفة طلبة الطب فقط والدارسين في الخارج على مدى ست سنوات هي مليار و250 مليون دينار.

حاول بشر الخصاونة، في حواره مع هذا الجمع من الطلبة الأردنيين، إلقاء الضوء على أزمة التخصّصات في الجامعات، ولفت الانتباه إلى أن ثمّة تخصّصات تموت عمليا اليوم، لكن المهم في اللقاء أنه يجب أن لا يكون موسميا، بل أن يستمرّ بزيارة الجامعات، وأن يلتقي طلابها بشكل عشوائي، وأن يقدّم محاضرة في القانون في جامعة خاصة وأخرى حكومية طرفية، كما كان يدرس في الجامعة الأردنية، ليعرف الفرق الذي حدث والمستوى العلمي والنظرة العامة للطلبة نحو مستقبلهم.

أشار الخصاونة إلى مستقبل الصناعات أيضاً، وإلى ثروات الأردن، مع العلم أن التعدين في الأردن صناعة مهمّة. ومع التأكيد على أن أهم الشركات لا تسهم في تطوير التعليم كما يجب، ويقتصر دورها بتبرّعات غير مستدامة، وكان في وسعها من أرباحها أن تؤسّس كلية تقنية تعدينية في الجنوب في منطقة القطرانة أو الحسا تغذّي منها مخزونها الفني مستقبلا، وتنشئ مدينة جديدة حولها، بدلا من مشروع المدينة الجديدة الذي لا يلقى موقعه التأييد العام. ومن المهم هنا التشبيك مع مشروع وزارة التربية والتعليم الناهض بالتعليم المهني، والذي يشهد تحوّلاً في الإقبال عليه بشكل كبير.

مقالات ذات صلة