مع الدولة… جميل النمري

“الضغوط التي يتحملها الأردن بسبب مواقفه الإقليمية المشرفة لا تتحملها الجبال”. قد لا تكون هذه مجرد بلاغة إنشائية لتحريك التعاطف مع الحكومة من وزير إعلامنا الناطق باسم الحكومة، د. محمد المومني، يوم الثلاثاء الماضي، في المؤتمر الصحفي بمناسبة تحويل قانون الضريبة الجديد لمجلس النواب، فالتسريبات عن خلافات وتعرض الأردن لضغوط تملأ وسائل التواصل الاجتماعي رغم أن المصادر الرسمية تتحفظ بالكامل ولا يصدر عنها شيء. ومرافقة الإخوة الأمراء الأربعة لجلالة الملك في الوفد الى القمة الإسلامية في إسطنبول، وهي واقعة لافتة جدا وغير مسبوقة، فسرت كرسالة لمن يهمه الأمر أن الأردنيين جميعهم، وعلى مستوى العائلة المالكة أيضا، موحدون بالمطلق حول سياسة الأردن الإقليمية الى جانب إعطاء زخم خاص لموضوع الوصاية “الهاشمية” على القدس.

نحن في فترة صعبة والتطورات تتدحرج كلها بما يعاند السياسة الأردنية. وأجندات الأطراف، وخصوصا الحلفاء والأصدقاء التقليديين، تفترق عن الموقف الأردني، وهو موقف مبدئي ومصلحي لا يمكن الحياد عنه. وبقي الشيء الوحيد الذي نتمكن حتى الآن من الحفاظ عليه ولا ندري الى متى هو خفض التصعيد في الجنوب السوري؛ حيث أمكن للنفوذ الأردني والسياسة الحصيفة أن تثمر توافقا أميركيا روسيا أردنيا صمد حتى الآن رغم أن المنطقة كانت التالية المرشحة للاجتياح بعد الغوطة الشرقية، وهي الآن مرشحة لمواجهة إقليمية كبرى قد يحول دونها عدم يقين الأطراف من النتائج المحتملة؛ فإيران التي يغريها أن تصبح دولة مواجهة مع إسرائيل لتعبئة رصيدها السياسي كما لم يحدث من قبل، لا تأمن موازين القوى العسكرية وتخشى من حجم الرد الإسرائيلي. وإسرائيل تخشى أن تنتهي الحرب مع محور سورية إيران حزب الله مهما كان حجم الدمار الممكن إلحاقه بالبنية التحتية في سورية ولبنان بلا نتيجة سوى تشريع الوجود الإيراني وقوة حزب الله ما دام احتلال أراض ليس واردا، وهو درس الحرب مع حزب الله.

في هذا التجاذب، ثمة حسابات للأطراف، مصالح الأردن خارجها تماما، ومع الأردن فلسطين والقضية الفلسطينية التي ستتراجع مجددا في ظل أي مواجهات إقليمية وتناطح على النفوذ.

على الجبهتين السعودية والخليجية، تفترق الأجندات أكثر فأكثر، وهي بدأت بالافتراق حول سورية ثم اليمن وأخيرا إلغاء الولايات المتحدة للاتفاق النووي مع إيران، الذي أسعد أشقاءنا وهم يسعدون أكثر بالتصعيد الشديد للإدارة الأميركية مع إيران الذي يضعنا في زاوية حرجة ويطيح بالرؤية الأردنية لتخفيض التوتر وتحسين المناخ الإقليمي ودفع سياسة حسن الجوار والتفاهم على حل سياسي ينهي النزاع ويحفظ وحدة سورية ويبقي القضية الفلسطينية في واجهة الأولويات.

وفي ظل لهفة أطراف عربية على سياسة ترامب تجاه إيران، يأتي نقل السفارة الأميركية والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل مصيبة للقضية الفلسطينية وقضية القدس، الأمر الذي يضع الأردن كحليف للفلسطينيين في أصعب موقف منزوع الأسلحة الهجومية ومحدود القدرات الدفاعية.

الظروف صعبة وقد تكون أصعب من ظروف العام 1991 أيام حفر الباطن. وفي مواجهة الصعوبات والضغوط، يجب أن تظهر اللحمة الوطنية المطلقة والرسالة الحاسمة التي تسحب ورقة الضغط من أي طرف علينا. الرسالة التي تقول إننا نقف بإجماع مطلق وحمية حقيقية خلف دولتنا وقيادتنا.

مقالات ذات صلة