تحذير الكباريتي 3-3 … محمد أبو رمان

بكلمات معدودة ومدروسة -كالعادة- اختصر رئيس الوزراء الأسبق، والسياسي-الاقتصادي المعروف، عبد الكريم الكباريتي، هواجس المواطنين من المرحلة المقبلة ومن السياسات المالية والاقتصادية، التي تأخذ بعين الاعتبار فقط وقف المديونية (وهو أمر ضروري ومهم لحماية الاقتصاد الوطني)، لكنّها تتجاهل جوانب أخرى لا تقل أهمية ولا خطورة عن موضوع المديونية.

الكباريتي اعترف (في اجتماع الهيئة العامة للبنك الأردني الكويتي) بأنّ الوضع صعب، وسيصعب أكثر، وبأنّ هنالك ارتباكاً كبيراً رسمياً في صياغة الرسالة للمستثمرين، وتراجع قطاعات مهمة في السوق الاقتصادي الأردني، وأيضاً في الخشية من عودة أعداد كبيرة من العاملين الأردنيين في الخارج، ومن أمور أخرى تشكّل بالفعل مجتمعة الهاجس الذي يتحدث عنه الاقتصاديون وشريحة واسعة من المجتمع اليوم!

إذن من المهم أن يعرف المسؤولون بأنّ الهواجس هذه ليست من فراغ، ولا وليدة مصالح ضيقة فقط لطبقة رجال الأعمال والقطاعات التي لا تريد أن تزيد الضريبة، فكما ذكر الكباريتي، المتضرر الأكبر اليوم هو الطبقة الوسطى وقطاع الاستثمار.

ما البديل؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه دوماً أصحاب الشأن عندما يواجهون بالنقد، ويقولون بوضوح إنّ المطلوب وقف المديونية تماماً، وما يتم الحديث عنه لا يضمن لنا نتائج تحمي الاقتصاد الوطني من خيارات قاسية في حال لم نوقف نزيف العجز والمديونية.

الجواب أنّ المطلوب ليس بديلاً جوهرياً أو كلياً لمسألة إصلاح النظام الضريبي، بل هو إصلاح مطلوب وضروري، لكنّنا نتحدث هنا عن تفاصيل وحيثيات واجتهادات تتطلب نقاشاً وبناء مشروعية مجتمعية وسياسية حولها، كي يكتسب القانون قوة دفع من المجتمع، لا أن يفرض باعتباره “وصفة الصندوق الدولي”!

ضمن هذا الإطار، فإنّ هنالك العديد من التوصيات والبدائل من ضمنها مقترح “الفوترة”؛ أي أن يقوم كل مواطن بإحضار فاتورة بأي خدمة أو سلعة يدفع ثمنها لتخصم مباشرة من الضريبة، ما يؤدي إلى أن يتحول كل مواطن عملياً إلى مستفيد من منع التهرب الضريبي وضبطه، ويجلب مئات الملايين للخزينة، بخاصة من القطاعات التي تتهرب عادة من تسجيل هذه الأرباح، وهو ما يؤدي أيضاً إلى وقف نزيف العملة، مع ضبط سفر الأردنيين إلى الخارج، بما أنّ ما يدفعونه داخلياً سيخصم فسيفضلون الفنادق والمطاعم المحلية، ويوفر أيضاً مئات الملايين ويحدث سيولة في الوضع الاقتصادي. مثل هذا الاقتراح ممتاز، لكنّه يحتاج إلى آليات ذكية لتنفيذه.

من الأمور المهمة الجمع بين الجانبين الاقتصادي-المالي والسياسي في التفكير، فلا يمكن الفصل بينها، سواء على الصعيد الخارجي أو الداخلي. فخارجياً الموقع الجيواستراتيجي عقّد خيارات الأردن، وجعلنا تحت “حصار واقعي”، لكنّه -أي موقعنا الجغرافي- يمكن أن يكون مفتاحاً ذهبياً لإنقاذ الوضع الاقتصادي، وكلمة السرّ هي “بوابة العراق”، لا بد أن نجعلها أولوية وأن نسعى إلى تطوير كبير في العلاقات الاقتصادية والتجارية وتحسينها، مع ما يترتب على ذلك من تدوير الزوايا الحادّة مع إيران مثلاً، وتطوير العلاقات مع القوى العراقية المختلفة.

داخلياً، من غير الممكن ولا المنطقي المضي في هذه السياسات المالية من دون ماكينة سياسية وكاسحة ألغام، وحوارات داخلية وطنية، وهو ما يتطلب عقلية سياسية مختلفة تماماً عن العقلية الراهنة، وشخصيات كاريزمية وشجاعة لديها قدرة على مخاطبة القوى المختلفة والشارع والوصول إلى نتائج حقيقية.

هنالك نقاط أخرى مهمة من ضمنها ضرورة إبقاء الإعفاء للطبقة الوسطى على التعليم والسكن، فهذه الطبقة بتدريس آبائها من الدولة تريحها مما نسبته تقريباً 30 % من موازنة التربية والتعليم وكلفته 700 مليون، من الضروري أن توضع بالاعتبار عندما نتحدث عن هذه الطبقة وضغوطاتها.

مقالات ذات صلة