يوم قتلنا الأرض.. إسماعيل الشريف

المال مالكم، ولكن المصادر ملك للمجتمع. – شرطي ألماني لشباب طلبوا أكثر من حاجتهم في مطعم.

نودع سنة ونستقبل أخرى  ، وهنالك عائلة اوشكت على الموت جوعا وبردا في المفرق !
لقد أصبح الأردنيون جميعا داخل منزل واحد، فكل أخبارهم وأفراحهم وأتراحهم وخصوصياتهم تصلنا في بث حي مباشر، وبعضها غاية في الاستفزاز خاصة تلك الحفلات الباذخة الذي يقدم فيها طعام يكفي لإشباع مدن بأكملها.
تبدأ الانتقادات وينبري المدافعون فهذا من بديهيات الحريات الشخصية والداعي حر في أن ينفق ماله كيفما يريد!
Overshoot day أي يوم تجاوز الأرض، وأفضل أن أسميه يوم إنهاك الأرض، هو تقويم يحدد يوما في السنة نكون فيه قد استهلكنا كمية من الموارد تعادل إنتاج الأرض في تلك السنة بأكملها، من موارد طبيعية كالغذاء والأخشاب والمنتجات الحيوانية، ويقيس أيضا قدرة الأرض على استيعاب الملوثات من نفايات وغازات وغيرها.
فهو اليوم الذي يتجاوز الاستهلاك فيه الإنتاج، وتدخل البشرية في دين تغطيه باستهلاك موارد غير متجددة وبتلويث الأرض وبالاستدانة من موارد المستقبل، وعلى سبيل المثال ففي هذا العام 2018 كان يوم التجاوز هو الأول من آب، أي أننا في ذلك اليوم كنا قد استهلكنا كمية تعادل إنتاج الأرض وطاقتها الاستيعابية لعام 2018.
عام 1970 كان بداية الوقوع في الدين البيئي، وحُدد أول تاريخ لتجاوز قدرة الأرض الإنتاجية في الثالث والعشرين من كانون أول، وهذا اليوم يتناقص سنويا بشكل سريع فمثلا في عام 2017 كان الثالث من آب.
يقول العلماء أننا نستهلك 1.7 من موارد أرضنا، وبالطبع هنالك تباين كبير بين الدول، فالولايات المتحدة تستهلك خمسة أضعاف موارد الأرض وأستراليا أربعة أضعاف.
ويمثل تاريخ الأول من آب لهذا العام معدل استهلاك شعوب الأرض لاستهلاك موارد الأرض بأكملها، فمثلا لو كان جميع سكان الأرض يستهلكون كدولة قطر فسيكون التاسع من شباط هو يوم الدخول في الدين البيئي، و لو كان الجميع كالولايات المتحدة فسيكون الرابع من آذار.
في الأردن الدولة الفقيرة فيوم نفاذ رصيدنا البيئي كان في الخامس عشر من تشرين.
أعتقد الآن بأن الفكرة قد صلت للقارئ الذكي العزيز، فالتبذير يتجاوز كثيرا الحسد والغيرة، ويتجاوز الحرية الشخصية والقدرة على الصرف، وهذا البذخ يهدد الأمن الاقتصادي والغذائي لأفراد المجتمع، وحق الأجيال القادمة في العيش، وهذا البذخ هو سرقة لمقدرات الوطن، وهو محرم في جميع الشرائع والقيم الأخلاقية.
ثم إنه يزيد الاستهلاك بشكل غير مبرر ويشكل خطرا على ثروتنا الحيوانية والمائية والزراعية ويزيد من قيمة فاتورة الاستيراد ومديونية الدولة.
فالأمر إذن يشكل تهديدا وجوديا، ولا يختلف ذلك المتباهي بإسرافه عن سارقي الكهرباء والمياه ومزوري التبغ فكلهم مجرمون، بفرق واحد أن أحدهم يجرّم والآخر لا، لذلك برأيي وجب أن يبدأ التفكير بإصدار قوانين تجرم هذا البذخ المفرط، وعلينا جميعا كأفراد في هذا المجتمع بالسعي لتأخير عقارب الساعة للوراء وإنشاء ثقافة جديدة ترفض وتنتقد علانية الإسراف، ثم تعمل على زيادة خصوبة الأرض والمحافظة على مصادرنا المائية واستغلالها الاستغلال الأمثل، والمحافظة على البيئة وتشجير الصحارى ودعم الإنتاج الزراعي والحيواني.
وعلينا أيضا تخفيض الاستهلاك غير المبرر، والبدء بإجراءات حاسمة لتقليل نفاياتنا، وبدلا من التفاخر بالبذخ لماذا لا توجه هذه الأموال لإطعام الفقراء وسد احتياجاتهم.
وحبذا لو يطرح هذا الموضوع في مناهجنا الدراسية بشكل تفصيلي موسع يكون من نتائجة بث الوعي في النشء.
وكل عام وانتم بخير.

مقالات ذات صلة