
مجرد قطيع… بقلم: زاهر بن حارث المحروقي
وأسفاه.. وأسفاه..
محزنٌ جدًا أن يُحَوّل شعبٌ بأكمله إلى مجرّد قطيع، يُساق إلى المرعى ليأكل، ثم يُعاد إلى الحظيرة لينام، حسب المواعيد التي يحدِّدُها الرعاة، فتشكّل تلك الدائرة محورَ حياته كلها لا يتعداها، ليس له رأيٌ، وإن أبدى رأيه لا يؤبه به، لأنه أخذ قسطه من الطعام والنوم.
لكي يُفهم هذا الكلام جيدًا، فيجدر بنا أن نعود إلى تعليقات العمانيين في تويتر وفيسبوك، بعيد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مسقط في السادس والعشرين من أكتوبر 2018. تلك التعليقات التي رفضت رفضًا قاطعًا التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، إذ تصدر وسم “عمانيون ضد التطبيع” تويتر، وكذلك “بيان الخارجية لا يمثلني”، حيث عبّر العمانيون عن رفضهم لأيّ نوعٍ من أنواع التطبيع مع إسرائيل. ولكن بما أنّ المواطن ليس له رأيٌ ولا قيمة، فقد صمتت الدولة، بوضع الطين والعجين في أذنيها – إن كان لها أذنان -، فلم تُعرْ تلك الأصوات أيّ قيمة أو اهتمام، لأنّ الظن أنّ القطيع سيسكت بعد حين، وهي نظرة خاطئة جدًا، لم تحسن الدولة قراءتها جيدًا؛ فالعمانيون واعون جيدًا، وضمائرُهم كانت وما زالت وستبقى حيّة، تتفاعل مع قضايا الأمة العربية والإسلامية.
تعودنا كثيرًا في السابق، عندما تُطرح قضيةٌ للنقاش، أن ينبري البعض بكيلِ الاتهامات للكتّاب، بحجة أنّ “هذه سياسة دولة.. وما أدراكم أنتم بالسياسة”، وهي العبارة التي كثيرًا ما رأيتُها في المناقشات، وكأنّ قرارات الحكومة – في أيّ مكان – هي آياتٌ قرآنيةٌ نزلت من الله سبحانه وتعالى، فيجب التعامل معها بقدسية.
يرى البعض أنّ الوضع الاقتصادي السيء، هو الذي جعل عُمان تتسابق إلى التطبيع، وإلى تأييد كلِّ من يُطبّع مع العدو الصهيوني. وفي الواقع أنا أرى أنّ كلامًا كهذا هو إساءةٌ للدولة وليس تبريرًا للخطأ الذي وقعت فيه؛ إذ السؤال المنطقي الذي يجب أن يُطرح عادةً بعد طرح رأي كهذا، هو: لماذا فشلنا في السنوات الماضية في بناء اقتصاد قوي؟!. أين ذهبت أموالنا؟ّ. وما مصير الاستثمارات الوهمية التي كانت تعلن عبر وسائل الاعلام؟ّ. فإذا كنا قد فشلنا في تقوية الاقتصاد العماني، لأنّ هناك من قدّم مصالحه على المصلحة العامة، ولأنّ هناك من المسؤولين عن الاقتصاد من كانت طموحاته لا تتجاوز قدميه، فلا ينبغي أن تتحمل الأجيال ذلك الفشل، ولا ينبغي أن يكون الوضع الاقتصادي الضعيف هو شماعة نعلق عليها كلّ أخطائنا ومشاكلنا؛ فالمطلوب هو أن تتحرّك الدولة لإصلاح الوضع ولبناء اقتصاد قوي، وهذا هو دورها.
إذا لم تأخذ الدولة برأي المواطنين الآن، فقد يأتي يومٌ تأخذ به وهي صاغرة، وهذا هو منطق العدل، وقد رأيناه في كثير من بقاع الأرض، فلسنا استثناء.
على أني – كواحد من هذا الشعب – لا بد أن أشيد بكلّ المغرّدين العمانيين الذين رفضوا ذلك التطبيع، وبكلِّ من تألم بصمت، فرفضُهم ذلك هو تعبيرٌ صادقٌ عن الضمير الحي للشعب العماني، لأنّ العدو الصهيوني يراهن على الحكومات فقط وقد فشل حتى الآن في اختراق الأحرار من المواطنين. وليس أدل على ذلك من تغريدة نتيناهو رئيس كيان العدو، بتاريخ ٢١ نوفمبر ٢٠١٧، التي قال فيها: “أكبر عقبة أمام توسيع دائرة السلام ليست زعماء الدول التي تحيط بنا، بل هي الرأي العام في الشارع العربي، الذي تعرّض على مدار سنوات طويلة لدعاية عرضت إسرائيل بشكل خاطئ ومنحاز”.
وبما أني تطرقتُ إلى تغريدة نتنياهو، فأقول إنه من المؤسف جدًا أنّ الرجل أصبح يسيء إلينا ويشهر بنا في كلّ مناسبة، سواء في خطاباته وتغريداته وتصريحاته، وينطلق من أنه استطاع أن يخترق عُمان ويزورها، والأسوأ من ذلك أن يشكر الرئيس المصري السيسي والحكومتين العمانية والبحرينية على دعم اتفاقيته مع دولة الإمارات.
وما الذي يجعلنا نتسابق إلى تأييد اتفاقية مثل تلك؟! ماذا كان سيضرنا الصمت؟! وإذا كانت هناك ضغوطات علينا، فلماذا نحن دون غيرنا؟!
أنا لا أدري من هو هذا الناطق الذي صرح باسم وزارة الخارجية، مؤيدًا ذلك الاتفاق الإماراتي الصهيوني؟ ولكن أتساءل أين كان هذا الناطق عندما قتلت الإمارات مواطنًا عمانيًا دون جريرة؟! وأين كان هذا الناطق عندما أصدرت دولة الإمارات حكمًا بالسجن المؤبد لشاب عماني قاصر بتهمة واهية هي التجسس لصالح قطر، وكأنّ قطر بهذه السذاجة؟!.
تحدّث الإعلام الإسرائيلي أنّ سلطنة عُمان في طريقها إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، وكذلك أشار بيانٌ من البيت الأبيض إلى أنّ البحرين وعُمان سينضمان قريبا إلى قافلة التطبيع؛ فنرجو من المسؤولين أن يتريثوا في ذلك، فمهما يحصل لن نستفيد من هذا التطبيع إلا الخراب والدمار، ويكفي أنّ سمعة عُمان أصبحت الآن في الحضيض.
وقبل أن أختم وأنا أرى هذا الهوان – ولم أكن أظن يومًا أني سأعيش لأراه – أبحث عن إجابة لسؤال بريء: هل أصبحت فعلا الإمارات هي القائدة والرائدة والزعيمة للأمة عليها أن تأمر وتطاع؟!. وما السر في انقياد عُمان لها؟!.