الـنـدم

بقلم محمد فضيلات

حرير –

سامحني يا الله، لقد ارتكبت الكثير من الأفعال السيئة.
سامحني، ها أنا اعترف بخطيئة أخرى، لقد كانت خطيئة مركبة فأنا لم أكتفي بضرب فادي، بل كذبت أيضاً وتسببت له بـ” قتلة من قاع الدست”، وأين يا الله؟ في المؤن، حيث جماهير اللاجئين ينتظرون للحصول على حصتهم الشهرية من الطحين ورب البندورة والسردين، وغيرها.
كم أحببت رب بندورة المؤن، وجبتي المفضلة بعد إضافة الشطة وزيت الزيتون وإلى جانبها عروق بقدونس وخبز سخن من فرن ابو توفيق.
ودعونا نحمد الله أن المؤن توقف قبل وباء كورونا وإلا كان سبباً رئيسياً في تفشي الجائحة بين اللاجئين الذين شكل المؤن أحد أهم أسباب نجاتهم حتى أنهم كانوا يقولون ” النا الله وكرت المؤن”.
قبل أيام من توزيع المؤن تشاجرت مع فادي – زميلي في الصف الثالث (ب) في مدرسة الكراج-، لا أتذكر أسباب المشاجرة لكنها بالضرورة حصلت بعد أن فطع قلمي أو لطشتله محايته، المهم أننا تشاجرتا، وكما يفعل الشجعان تواعدنا على التروية.
باغته على نحو مدروس، أفقدته توازنه بضربة مفاجئة بالشنتة من جهة علبة الهندسة المعدنية، بعدها ركلته، ولكمته ( بكسته)، لقد كنت لئيما يا الله ولم أتوقف عن ضربه وهو في أكثر حالات الاستسلام والضعف.
لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، في اليوم التالي ضربت فادي لمجرد تأكيد السيطرة وواصلت ضربه يومياً حتى جاء يوم المؤن الموعود.
بينما كنت أقف في ساحة المؤن إلى جانب جارتنا صرية ( أم محمد) – رحمها الله- ركضت امرأة تجاهي عرفت انها أم فادي بعد أن شاهدته يركض خلفها ويصرخ ” هيو هيو”.
ولمن لا يعرف صرية، كانت من أشهر تاجرات المؤن، وكانت امرأة طيبة افنت حياتها كأرملة من أجل أولادها، وكنت اعتقد في طفولتي أن صرية بثلاثة أثداء بسبب الانتفاخ الكبير القابع وسط صدرها والذي تبين أنه ناتج عن صُرّة النقود المصنوعة من القماش، كم كانت غنية جارتنا وكلمتها مسموعة خاصة في ساحة المؤن.
مع اقتراب ” هيو هيو”، تيقنت أن الانتقام قادم، لكن صرية تدخلت في اللحظة المناسبة الواقعة بين إلقاء القبض عليّ وضربي.
– افلتي الولد.
– والله لاذبحه.
– وليش إن شاء الله، شو عامل.
– متسلط على ابني، كل يوم بضربه.
صرية بثقة الواثقين، قالت: انت مجنونة يا مره، ولك محمد ابن ابو مدين أءدب ولد في الحارة، والأول على المدرسة.
وأذكر انها قالت حرفيا ” لو قلتي إنه واحد من اولادي ضرب ابنك بصدق بس محمد ابن ابو مدين، مستحيل والله ما حد بصدق”.
التفتت صرية وسالتني: أنت ضربت إبنها.
أنا مع نظرة بريئة: ليش بدي اضربه، أصلا هو كل يوم بتحركش على التروية وما بحكي للاستاذ.
استمر الجدال دقائق، وانتهى بأن استدارت أم فادي إلى أبنها، وصرخت ” يلعن أبوك، بدك تمشكلنا مع الناس المحترمين”، وهات اللي يوجعك يا فادي. حتى أن صرية وبعض المتواجدين اشفقوا عليه وخلصوه بالقوة من أمه.
لقد كانت قتلة مشهورة، وربما صار يقال تسليم المؤن قبل قتلة فادي او بعدها.
سامحني يا فادي لأنني ضربتك، سامحيني يا صرية لأنني خدعتك بقناعة بالبراءة.
سامحنا يا الله، سامحنا وارفع عنا البلاء.

مقالات ذات صلة