صناعة القلوب لا القوالب

بقلم الدكتور حسان أبو عرقوب

حرير – الله تعالى مُطّلعٌ على قلوب العباد، وهي محلّ نظره، لذلك كان لزاما عليهم أن يُنَقّوا قلوبهم ويُطهِّروها من رجس الحقد، والحسد، والغِلّ، والضّغينة، والكِبر، والعُجب وغيرها من آفات تمنع هذا القلب من الدّخول إلى حضرة الرَّبّ سبحانه، لذلك كانت تزكية النّفسِ من أهمِّ الواجبات التي ينبغي الاعتناء بها، وعدم إهمالها، وإلا فما قيمة العلم دون عمل، وما قيمة حفظ الكتب والمتون وحافظها لا يعمل بمقتضاها؟
يهتمّ بعض الأخوة بالقوالب دون القلوب، فيعتني أحدهم بمظهره كي يكون قريبًا بقالبه من النبيّ الأعظم صلى الله عليه وسلم، وهو أمرٌ حسنٌ ومطلوبٌ يُشكر فاعله، ولكن ما هو مطلوب –أيضا-أن نحرصَ أن تكونَ قلوبُنا كقلب سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم، لنتوافق معه ظاهرًا وباطنًا، قلبًا وقالبًا، وهذا هو حال الكمال.
المشكلة الحقيقيّة إذا اقتنع المؤمنُ بأنّ الاقتداء بالقالب فقط هو التعبير الحقيقيّ عن الإيمان، وهو المقصود فقط باتّباع سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، غافلا أو متغافلا عن أهمّيّة اتباع قلب النبيّ صلى الله عليه وسلم، من حيث التّحلّي بصفات الجمال والكمال، والتخلي عن صفات النقص، ولا يخفى أنّ الاتباع بالقالب على أهميّته، هو الخِيار الأسهل، فلا يحتاج إلى المجاهدة التي يحتاجها من أراد الاقتداء بالقلوب.
تزكية النّفس وتنقيتها فلاح ونجاح، يقول ربنا سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} ولاشكّ أن الوصول إلى هذه التزكية يحتاج إلى مجاهدة كبيرة، لذلك يقول ربنا سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} فمجاهدة النفس هي طريق الإحسان، والقرب من ربّنا سبحانه.
من أجل هذا، عمل النبي صلى الله عليه وسلم على تربية أصحابه تربيةً إيمانية، تربية للظواهر والبواطن، للقلوب والقوالب، وضرب لهم أروع الأمثلة في ذلك، فحياته صلى الله عليه وسلم كلّها بِرٌّ، وإحسانٌ، وعدلٌ، ورحمةٌ، وتسامحٌ، وصفحٌ، وعفوٌ، وسترٌ، ورِقّةٌ، وحبٌّ، وهذا ما ينبغي الاهتمام به، والتأكيد عليه، لنُقبلَ على الله تعالى بقلوب سليمة نظيفة من كلّ شركٍ، وشكّ، وأخلاق ٍسيّئة، عملا بالتنبيه الوارد في القرآن الكريم على لسان سيّدنا إبراهيم: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.

مقالات ذات صلة