لماذا لم تسقط السماء ؟!… محمد أبو رمان

 

 

إذا تجاوزنا ما حدث في غزّة من مجزرة دموية بحقّ المتظاهرين السلميين من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك الاحتجاجات التركية الشعبية، فإنّ من الطبيعي أن يتساءل التيار اليميني المتطرف في إدارة الرئيس الأميركي ترامب: وين الملايين؟! الشعب العربي وين؟!

هذه الخلاصات الأميركية عن حالة الشعوب العربية عبرت عنها بسخرية، بل بوقاحة، سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هايلي (تعليقاً على تواضع الاحتجاجات الشعبية المسلمة والعربية ضد قرار ترامب نقل السفارة نهاية العام الماضي): قال الجميع “إن السماء ستقع، لكن.. ما تزال في موقعها، ولم تسقط، ولم يحدث شيء من هذا القبيل”.

حسناً، ما حدث من حالة أشبه بالصمت والسكون في العالم العربي هي أسوأ بكثير وتنبئ بما هو أخطر من المظاهرات والمسيرات السلمية الاحتجاجية، ذلك أنّ حجم الشعور بالمرارة واليأس من أن تؤدي المظاهرات والمسيرات السلمية لإحداث فرق يذكر في قرار الإدارة الأميركية أو تغيير الأحداث الجارية، هو الذي يفسّر حالة الشارع العربي اليوم!

ما يصعب على إدارة الرئيس ترامب، والفريق المتطرف حوله، إدراكه، هو أنّهم لا يقضون بهذه الأفعال والتصريحات والاستفزازات الرمزية الخطيرة على آخر أمل بالسلام المنشود، بل على ما تبقى من شرعية للاعتدال العربي، وعلى الاستقرار السياسي في المنطقة، وهم الذين يقدّمون المنطقة على طبقٍ من ذهب للتطرف بأشكاله وصوره المختلفة والمتعددة؛ التطرف الديني الصهيوني المتنامي (مع تبخّر اليسار الإسرائيلي ومعسكر السلام هناك، وكأنّه أصبح شيئاً من الماضي)، التيار المتطرف في إيران (إذ يعاني اليوم الرئيس حسن روحاني معاناة شديدة بعد انسحاب ترامب من الاتفاقية النووية)، ومعهما التنظيمات الراديكالية السنّية العربية، وفي مقدمتها داعش والقاعدة، وهما أحد أبرز المستثمرين في خطايا إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب!

ماذا فعل ترامب في المنطقة العربية؟! هو أوقد كل عيدان الثقاب الموجودة، التي ستصل إلى براميل البارود المنتشرة في المنطقة، لتشعل كل شيء تقريباً..

قام بإلغاء الديمقراطية وحقوق الإنسان من قاموس السياسة الخارجية الأميركية، وعمل على تجديد “الصفقة التاريخية” الكارثية مع السلطوية العربية، وهي الصفقة، التي وصل المحللون والخبراء الأميركيون أنفسهم إلى قناعة بأنّها كانت أحد الأسباب الرئيسة في تعبيد الطريق إلى 11 سبتمبر 2001.

ثم نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ليؤجج المشاعر الرمزية والروحية للمسلمين والعرب، الغاضبين من القرار ومن عجز حكوماتهم، ومن شعورهم بتواطؤ كثير منها مع القرار، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ما يعني أنّ الراديكالية ستصيد الفراشات المستعدة للوصول إلى خطابهم وقناعاتهم بسهولة، مع حالة الإحباط واليأس والاحتقان التي تجتاح المجتمعات العربية.

ألغى الصفقة النووية مع إيران، ودشّن ما يُطلق عليه أركان إدارته “التحالف السني-الإسرائيلي-الأميركي”، الذي يقول بأولوية الخطر الإيراني، وتجاهل القضية الفلسطينية، ما يعني دقّ مسمار آخر في نعش الحالة الرسمية العربية الراهنة..

لم يترك شيئاً إلاّ فعله ترامب لإشعال المنطقة ورميها لمصير أخطر بكثير في المرحلة المقبلة، وليقتل أصوات الاعتدال والمنطق ومحاولة الخروج من النفق التاريخي الراهن القاتل، ألقى المنطقة في بئر الأفاعي وأغلقه، فمن يشرح له ولمستشاره المقرب جيراد كوشنير وابنته إيفانكا وللعبقرية نيكي هايلي ولكل المتطرفين حوله: لماذا لم تسقط السماء؟!

مقالات ذات صلة