عام على فاجعة البحرالميت

حرير – عام كامل يمر اليوم على فاجعة البحر الميت، التي فقدنا بكارثتها 22 ضحية أغلبهم من الأطفال من طلبة المدارس، ممن كانوا يشاركون برحلة مغامرة مشوقة جاءت في المكان والزمان غير المناسبين فانتهت إلى مأساة إنسانية تعيش حسرتها حتى اليوم عشرات الأسر، وتخيم بظلالها السوداء على رؤوسنا جميعا ونحن نستذكر هول ما جرى، ونتحسب لما قد يأتي من كوارث طبيعية يمكن أن تخلف خلفها مآس جديدة لا سمح الله.
وتمر الذكرى المريرة الأولى لتلك الفاجعة اليوم مع دخول فصل الشتاء، وتجدد الأمطار وتشكل السيول ما يعيد النقاش العام لمدى الاستعدادات والدروس التي تعلمناها من تلك الفاجعة إلى واجهة المشهد، لتجنب تكرار المأساة والحفاظ على أرواح الأطفال والناس.
وإذا كان أحد لا يستطيع منع حدوث الكوارث الطبيعية خاصة تلك الناتجة عن الأمطار الغزيرة والسيول والزلازل في ظل تعمق الآثار السلبية لمشكلة البشرية اليوم مع التغير المناخي، فإن الحكومة وأجهزتها ونحن كمواطنين ومختلف القطاعات والمؤسسات المجتمعية يمكنها كلها، بل ومطلوب منها اتخاذ جميع الإجراءات الوقائية والاحترازية لتجنب الوقوع في براثن غضب الطبيعة والكوارث مسبقا قدر الإمكان، ومن ثم التحوط والاستعداد الكافيين للتعامل مع وقوع الكارثة وتسببها بالضحايا والأضرار، والاستفادة القصوى من تقييم ودراسة الأخطاء العديدة التي رافقت ملابسات وعمليات الانقاذ والاخلاء والتداعيات اللاحقة لفاجعة البحر الميت.
وبعيدا عن المسار القانوني والقضائي والسياسي الذي ترتب على فاجعة البحر الميت والذي ما يزال يثور حوله الجدل الواسع تحديدا لدى عائلات الضحايا، فثمة نتائج وتوصيات وخطوات عملية وفنية وادارية مطلوبة للتطبيق كانت خرجت بها عدة تقارير للجان تحقيق وتقييم في تلك الفاجعة، يفترض بها اليوم أن تكون قد أخذت طريقها للتنفيذ والتطبيق لتجنب المرور بمثل تلك المأساة، وعدم تكرار التخبط والأخطاء وأوجه التقصير التي رافقت إدارة تلك الأزمة الإنسانية القاسية في ذلك اليوم التشريني الحزين.
إلا أن هناك توصيات أخرى لا تقل أهمية لتجنب سقوط الضحايا والتعامل بكفاءة مع الكوارث ما تزال تحتاج لتوضيح حكومي، وإن كان تم الالتزام بتطبيقها أم تم تجاهلها أو تأجيلها لدعاوى مالية أو غيرها، فيما سيكون المحك الرئيسي لتقييم مدى الالتزام هو طريقة وكفاءة التعامل مع أي كارثة طبيعية يمكن أن تحصل، ونتمنى على الله ألا تفجعنا بأعزاء كما في الحادثة الأليمة الماضية.
فالسؤال اليوم هل تم تزويد المناطق الخطرة والمعرضة للسيول والكوارث بأجهزة إنذار مبكر فعالة تحافظ على الأرواح؟ وإذا كانت المأساة الماضية قد أظهرت وجود مشكلة بتوفر طواقم مؤهلة وكافية للانقاذ المائي والجبلي بمنطقة البحر الميت ونقصا في أعداد الغطاسين والمنقذين البحريين وغياب طائرات خاصة بالدفاع المدني تكون مجهزة لعمليات الإنقاذ، فإن السؤال هو هل تم تلافي هذا النقص والخلل؟ وهل تم استحداث مركز الإنقاذ المائي والجبلي كما أوصت لجان التحقيق؟
الخلل الأكبر الذي أظهرته التحقيقات في فاجعة البحر الميت كان هو تأخر بدء عملية البحث والإنقاذ للضحايا والتأخر بالوصول إلى موقع الكارثة، حيث تم الحديث عن وصول فرق الإنقاذ بعد نحو ثلاث ساعات! وهي فترة طويلة نسبيا وتعكس خللا جوهريا في التعامل مع الحوادث الطارئة، وقد أشّرت تقارير لجان التحقيق إلى مشكلة ضعف دور الحكام الإداريين في التعامل الكفؤ مع الحادثة وغياب التنسيق والتشبيك الفاعل بين الأجهزة المختلفة، ما استدعى تلك اللجان للتوصية بتفعيل دور مركز إدارة الأزمات وتعزيز التنسيق بين الأجهزة المعنية من دفاع مدني ووزارة صحة وحكام إداريين وغيرهم.
الراهن؛ أن الحكومة وأجهزتها لا تتحمل المسؤولية عن وقوع الكوارث الطبيعية، لكنها بلا شك تتحمل المسؤولية الكاملة عن أي تقصير أو تخبط في إدارة الأزمة والتعامل مع الكارثة، خاصة عندما تذهب ضحيتها أرواح وممتلكات كان يمكن إنقاذها وتلافيها.

 

الغد

مقالات ذات صلة