حماس. و”اليوم التالي”

محمد أبو رمان

حرير- ربّما تكون الحرب الحالية على غزّة من أكثر الحروب تعقيداً وغموضاً (على الأقلّ في العقود الماضية في العالم) في القدرة على تعريف وتحديد مَنْ هو منتصر ومن هو مهزوم، وذلك، لأنّه لا يوجد ضمن المُؤشّرات الواقعية ما يمكن أن نطلق عليه نصراً مطلقاً أو هزيمةً مطلقةً، أو ما تسمّى “الضربة القاضية”، بل هنالك عدٌّ للخسائر واللكمات والضربات، ومحاولات إيقاع أكبر قدر من الأضرار في الطرف الآخر. ولكن، إن لم يرفع أحد الطرفين راية الاستسلام، وهذا بعد كلّ ما رأيناه غير وارد، بالتأكيد من جهة حركة حماس، بسبب موازين القِوَى مع الإسرائيليين، فإنّ كلّ طرف سيُحاول ادّعاء النصر في نهاية اليوم.

ثمّة رهانات من كلا الطرفين، “حماس” والاحتلال الإسرائيلي، فشلت بجدارة. فمن جهة “حماس”، كان هنالك رهان على أنّ إسرائيل لن تخوض حرباً طويلة، أو أنّ الأسرى سيكونون ورقةً حاسمة في الحدّ من العملية العسكرية، أو على وحدة الساحات وتحالف محور الممانعة، أو موقف الشارع العربي أو الدولي، وكلّها رهاناتٌ لم تؤدّ إلى وقف الكارثة الإنسانية غير المسبوقة في غزّة، وتعادل حجم الخسائر الفلسطينية ما خسره الفلسطينيون منذ 76 عاماً (منذ النكبة) في عدد القتلى وحدهم، أمّا عدد الجرحى، والخسائر الإنسانية الهائلة والمادية التدميرية، فحدّث ولا حرج.

في الجهة المقابلة، فإنّ رهانات إسرائيل على إنزال هزيمة ساحقة بحركة حماس، والقضاء الكامل على قدراتها العسكرية والسياسية (الحُكْم)، وإعادة صوغ المشهد كاملاً داخل قطاع غزّة، بما يتناسب مع أجندة نتنياهو أيضاً، أثبتت فشلها يوماً بعد يوم، بل إنّ حجم الخسائر الإسرائيلية في اطّراد. وبعد أن دمّر الإسرائيليون قطاع غزّة، عادت “حماس” إلى الشمال، وتجري المعارك الشرسة في مُخيّم جباليا، وهي حالة مُرشّحة لأن تكون في أيّ بقعة من غزّة، وبالتالي، وصل الإسرائيليون إلى طريق مسدود؛ “Dead End”. وكما تذكر تقارير أميركية، يعطي استمرار المعارك اليوم “حماس” وكتائب الشهيد عز الدين القسّام مزيداً من القوّة والقدرة على التكيّف والمواجهة، والحلم بحسم عسكري يبدو غيرَ ممكنٍ إلّا إذا أُلقيت قنبلة نووية، فعلاً، على القطاع (كما طالب عضو الكونغرس المُتطرّف ليندسي غراهام)، وحتّى هذه، ربّما لن تكون صافرة النهاية.

حتّى لو افترضنا جدلاً أنّ إسرائيل تمكّنت بعد اجتياح رفح من قتل قيادات في “حماس” و”القسّام”، وتمكّن نتنياهو من اختطاف صورةٍ ما لنصرٍ رمزي، فإنّ ذلك لن يؤدِي، على الصعيد العملياتي الميداني، إلى القضاء على الحركة، لأنّ لديها القدرة على إعادة إنتاج القيادات والقدرات من الحطام. وبالتالي، المَخرج الوحيد من الوضع الحالي هو “الحلّ السياسي”، أو ما أصبح يُطلق عليه اسم “اليوم التالي”، لأنّ الترتيبات السياسية والأمنية الدولية وحدها الكفيلة بإيجاد تسوية، لكنّ هذا يعني للإسرائيليين، ومعهم الأميركيون، التنازل عن هدف رئيس (أُعلن بعد 7 أكتوبر مباشرةً)، هو القضاء على “حماس”، لأنّه سواء استُدخلت الحركة في ترتيبات “اليوم التالي” رسمياً أو لا، فإنّها ستبقى على أرض الواقع رقماً صعباً، طالما أنّ هنالك قضيّةً وغياباً للعدالة، وشعوراً بالظلم والقهر.

إن تصميم أي مخطط قادم يستبعد “حماس” معرّض لمخاطر حقيقية، فالحركة، حتّى وإن تعرّضت لضرباتٍ كبيرة، تدرك تماماً، بالضرورة، أنّ هنالك رهانات لم تكن صائبة أدّت إلى كارثة، لكنّها ستبقى رقماً صعباً، اليوم أو غداً، ولديها حدّ أدنى من حاضنة اجتماعية قويّة، وتعزّز ذلك حالة السلطة الفلسطينية المُترهّلة المأزومة.

وبالتالي، من الضروري للدول العربية المعنية أن تتمسّك بالورقة التي قُدّمت لتصور “اليوم التالي”، ورفضها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، لأنّه، كما يقول بايدن للمسؤولين العرب، لا مستقبل لـ”حماس” في غزّة، بل وصفها بأنّها مثل هتلر بعد الحرب العالمية الثانية. لكن، للتذكير، بقيت الإدارة الأميركية مُصرّةً على النزال مع حركة طالبان، وعلى عدم التفاوض معها وإنكار قوّتها، لكنّها اضطرت بعد مقتل آلاف الجنود الأميركيين، وخسارة المليارات، إلى الجلوس إلى الطاولة، والاعتراف بحكم “طالبان” في أفغانستان.

في الخلاصة، القضاء على “حماس” عسكريّاً غير ممكن. وسياسياً، يصعب تجاوزها. يبقى التفكير، خاصّة في الجانب العربي، في ضرورة بناء صيغة سياسية توافقية فلسطينية لمواجهة التحدّيات القادمة، طالما أنّ “7 أكتوبر”، وما بعده، أقنعا دولاً عربية عديدة بأنّ فكرة “السلام الإقليمي”، والتطبيع مع إسرائيل، غير ممكنين والقضية مُشتعلة.

مقالات ذات صلة