ماذا بعد غزة؟

سائد كراجة

حرير- يبدو سؤالا مبكراً، فلم تضع الحرب أوزارها بعد، وليس دقيقاً الوصول لنتائج نهائية قبل وقف إطلاق النار الدائم، ولكن الحرب أوضحت حقائق غالبًا ما تجاهلناها، وهي حقائق مهمة لفهم المستقبل بعد حرب غزة ومنها :

أحلام القفز عن الحق الفلسطيني بالتطبيع مشروع فاشل، والقضية الفلسطينية قضية شعب يجب أن تحل ولا يمكن تصفيتها، وحلها بات حاجة ملحة ومطلبا دوليا حتى للحلف الإنجلوأمريكي حليف إسرائيل، لقد أخذت القضية إقليميا ودوليا زمام المبادرة من جديد، وما التأييد الشبابي الأوروبي للحق الفلسطيني إلا دليل على ذلك .

العالم العربي ليس كتلة واحدة، وهو يفتقر لآليات الحد الأدنى من التخطيط الإستراتيجي وإن رابطة اللغة والدين والدم التي تغنينا بها كثيرا ليس لها أي تأثير حقيقي ولم تساهم أبدا في وقف الإجرام اليومي بحق الفلسطيني وينطبق هذا أيضا على ما يسمى بالعالم الإسلامي.

جمهورية مصر العربية قاومت التهجير، ولكن الحديث الهمس يشكك أحيانا في قدرة مصر على الاستمرار بهذا الموقف، والصغوط الشعبية في تزايد على مصر لفتح المعابر وإدخال مساعدات، ولكنها عموما تنأى بنفسها عن لعب دور قيادي هي مؤهلة له لوقف العدوان وإدخال المساعدات والضغط على نتنياهو والعالم لحل القضية حلا نهائياً.

منظمة التحرير الفلسطينية كيان سياسي مجمد، البعض يرى فيه عنوان الاستقلال الفلسطيني ولكنه أيضا كان عنوانا ل «فلسطنة» القضية وتحويلها من حركة تحرر وانعتاق حضاري عربي إنساني الى ساحة انقسام فلسطيني وتبعية فلسطينية إلى قوى محلية ودولية، وبدلا من أن تقود النظام العربي نحو الوحدة والاستقلال السياسي والاقتصادي غدت جزءا منه، ولهذا فإن إنهاء الانقسام هو قرار إقليمي ودولي في إطار إتفاق دولي على حل القضية اكثر من كونه حواراً بين أطراف الانقسام مما يعني بأن وحدة الصف الفلسطيني ليست أمراً قريب الاحتمال!

الأردن أكثر الدول المجاورة تأثراً بحرب غزة، فوحدت حرب غزة الجبهة الداخلية الأردنية وتجاوزت أي اصطفاف سابق بين مكونات الشعب الأردني حيث طغى الموقف التاريخيّ للشعب الأردني في نصرة الحق الفلسطيني ليس باعتباره موقف أحزاب معارضة أو موالاة بل هو موقف شعبي عارم قاد المشهد الأردني الشعبي وهو ما تناغم مع الموقف الرسمي أمام المحافل الدولية.

كما أظهرت الحرب حقيقة موقف إسرائيل من الأردن للعيان، فقد ثبت أن اتفاقيات السلام ليست درعا سياسيا يحميه من الأطماع الصهيونية المباشرة أو من محاولات تصفية القضية الفلسطينية على حسابه أرضا وشعبا وهوية.

مواقف الدول لا تكون بتنميط شعارات في مظاهرات ولا في استمرار الاعتقاد باحتكار الحكومات للحكمة والحقيقة، فالأردن لا يختلف عن كل دول المنطقة في ارتباطاته السياسية والعسكرية والاقتصادية! ولكن إذا كان من نصيحة تجزى فهي أن الظروف لم تعد كسابق عهدها وأن المشاركة السياسة تبدأ من الآن وليس من الانتخابات القادمة، وأعتقد أن الوقت قد أزف لمصارحة وطنية مع جميع الأطراف في مؤتمر وطني مستمر الانعقاد يتم فيه المكاشفة والمناقشة مع القوى السياسية والاجتماعية بوعي ومسؤولية وطنية تتجاوز المصالح الضيقة نحو المصلحة الوطنية العليا ونحو أفق وطني جاد ونحو خطة عمل وطنية للمستقبل تأخذ بالأردن لآفاق الاستقلال السياسي والاقتصادي التام، وتجعل من كل تحديات المرحلة فرصا لخلق تحديث سياسي واقتصادي وتعليمي وطني شامل فإن الشعوب تنهض وتُستنهض أكثر من ما تُستنهض عند تبلور عدو خارجي! آمل أن تصلك رسالتي جنابك.

مقالات ذات صلة