إن طلع صيتك خبي راسك”… صبري الربيحات

إن طلع صيتك خبي راسك”
د. صبري الربيحات

من بين المقولات التي كان يستخدمها القرويون للتعبير عن الحالة التي يكتسب فيها الافراد شهرة اوسع واكبر من القدرة التي يمتلكونها او الإنجاز الذي يتحقق على ايديهم مقولة مفادها “ان طلع صيتك خبي راسك”. في حالات اخرى يستخدم القول في بعض الاوضاع التي يواجه فيها الافراد اجواء من الرفض والظلم من قبل الجمهور بسبب تلفيقات او هجوم على وجودهم وعملهم ومحاولاتهم بدون مبررات او مسوغات منطقية ومعقولة.
الكثير ممن يتولون المواقع العامة هذه الايام يواجهون حملات من الرفض والاتهام والتشكيك غير معروفة الاسباب والدوافع. ما ان يذكر اسم او موقع الشخص حتى يدخل السامعون لاسمه في سباق لسرد قصص وروايات واتهامات يصعب حصرها عن تاريخ الفرد وتجاوزاته وعلاقاته. في القصص المتداولة الكثير من التلفيق والخيال ومحاولة الاغتيال للفرد ومكانته وانجازاته.
في حالات نادرة جدا يتطوع الجمهور للثناء على بعض من يتولون مواقع مهمة في مجالات السياسة والادارة والاقتصاد. لا توجد معايير او قواعد تمكننا من التنبؤ بكيفية استجابة وتعاطي الجمهور مع الاشخاص في المواقع العامة.
العلاقة بين الانجاز والرضا الشعبي علاقة ملتبسة ومتذبذبة. في العديد من الحالات يصعب العثور على اسباب كافية ومقنعة لمحبة واحترام الناس للبعض او كراهيتهم لمسؤولين آخرين. الكيمياء البشرية والدعم السياسي وبرامج الترويج والتلميع الاعلامي عوامل حاسمة في قبول بعض الاشخاص او تمكينهم من تجاوز المفاصل والازمات التي قد تطيح بغيرهم.
خلال السنوات القليلة الماضية اندثرت الكثير من المعايير والقيم التي كان الناس يستخدمونها في الحكم على أداء رؤساء الحكومات والوزراء والمدراء العامين فاصبح الرأي العام والبيروقراطية اكثر قبولا وتسامحا مع الهفوات والاخطاء التي كانت تطيح بمن يشغلون المواقع العامة ويديرون الشأن العام.
من الصعب ان تتخيل قبل سنوات ان يتعثر مسؤول في التعبير عن موقف او فكرة على منصة عامة دون ان يحاسب او يجري تبديله خلال ايام ولا يمكن تصور ان يجري ترشيح شخص لموقع سياسي دون التأكد من تأهله ومطابقة الترشيح للقواعد والشروط.
بعض من يحلّون في المواقع العامة يتسامحون ويتواطأون على قبول مخاطبتهم كمهندسين وهم لا يحملون درجة علمية في الهندسة او يقال بانهم اقتصاديون وهم لا يملكون مؤهلات علمية او عملية في الميدان ويقبلون بذلك والبعض يستحسن نعتهم بالتربويين دون ان يكون لهم اي ممارسات سابقة في الميدان التربوي.
الاغراق والاستغراق في تقبل هذه الاوضاع والتسامح معها جزء من عملية التضليل التي تكاد ان تكون منظمة. التخفيف من حالة الغضب السائدة في بعض الاوساط لا يتحقق دون ان تراجع المؤسسات سلوكها وممارساتها والعمل على التخلص من كافة الاخطاء والمغالطات التي ما يزال البعض يستخدمها او يتجاهل وجودها.
الرضا الشعبي النسبي الذي يتحقق احيانا لا يرتبط بانجازات حقيقية بمقدار ما هو ناتج عن الغاء سياسات وبرامج غير مناسبة. تقبل الناس لاجراءات التربية والتعليم والرضا النسبي عنها يرتبط كثيرا بوقف تطبيق الاجراءات المتشددة التي مارستها الوزارة في عهد وزيرها السابق اكثر من ارتباطه بانجازات الوزير الحالي.
اتباع اسلوب ادارة الازمات من خلال توليد ازمات اقل حدة يخفّض توقعات الناس ويقتل الآمال في تطور حقيقي مبني على رؤية وخطة تقودنا نحو المستقبل الذي نستحق. الكثير من المسؤولين يبرعون في تشخيص الواقع ويترددون في إنفاذ استراتيجيات وخطط شفافة يعرف الناس تفاصيلها ويستعدون لمساندتها.

مقالات ذات صلة