نظام التفاهة

بقلم حنان كامل الشيخ

حرير – حين تصلك نسخة من كتاب “نظام التفاهة” فإن العنوان وحده كفيل بأن يضعك تحت سيطرة احتمالين لا ثالث لهما؛ إما أنك المقصود بالمشاركة في صناعة نظام تافه ما، في حياتك المهنية أو الاجتماعية أو الثقافية. وإما أنك واحد من ضحايا هذا النظام الذي استشرى بفجاجة معناه، في مسيرتك وتفاصيل حياتك. وصدقا فإن كلا الاحتمالين يحملان بشكل أو بآخر إهانة!
هكذا وبكل قوة وصراحة تكون مشاعر وأفكار قارئ الكتاب الذي بدأ يحصد شهرته الخاصة به، منذ بواكير العام الجديد، وذلك بعد أن قامت مشكورة الدكتورة مشاعل عبد العزيز الهاجري، من كلية الحقوق في جامعة دولة الكويت بترجمته مؤخرا.
يشرح مؤلف الكتاب آلان دونو أستاذ الفلسفة في جامعة كيبيك الكندية، آراءه في نظام التفاهة بأننا “نعيش في عصر صعود الرداءة والإنحطاط مع سيادة نظام أدّى تدريجيا إلى سيطرة التافهين على جميع مفاصل الدولة الحديثة”.
هكذا وليس بكل بساطة، بل بتعقيد نقدي مفاجئ يعتقد المؤلف والذي عرفنا فيما بعد توجهاته الفكرية المناوئة للرأسمالية والليبرالية المتطرفة، أن سبب اضمحلال الدول والأنظمة الاجتماعية والمهنية والسياسية، هو تفوق الخبراء على المثقفين، والتكنوقراط على السياسيين، وتغول ذوي الثقافات الضحلة والجاهلين، على منظومة القيم والأداء الرفيع.
يفسر “دونو” الأداء الضحل والتافه الذي بات يحكم ويتحكم في مفاصل الحياة جميعها، باستشراء فكرة “اللعبة” وكيفية التعامل معها من قبل المتنفذين الجدد، بحيث تكون الغلبة اليوم لمن يجيد قواعد اللعب، وليس من يصنعها أو يؤلفها أو يبتكرها، كل حسب تخصصه السياسي والعلمي والإعلامي والاقتصادي والإعلاني والأكاديمي. فمن يلعبها بالشكل الصحيح، هو الفائز لا محالة في نهاية المطاف!
من أشهر الاقتباسات المنقولة عن الكتاب الشهير”ضع عنك تلك المؤلفات المعقدة، لأن دفاتر الحسابات سوف تفي بالغرض. لا تكن مزهوا بنفسك ولا حصيفا، بل ولا في دَعَة، قد تبدو متغطرسا. تلك النظرة الثاقبة المخيفة، وسِّعها ولتكن شفتاك مسترخيتين ـ يجب أن تفكر برخاوة وتُظهِر ذلك، وتتحدث عن نفسك بتحقيرها إلى قدْر لا يؤبه به” ويتابع الكاتب الجريء : “ينبغي أن تُسهل على الغير وضعك في خانة. لقد تغيرت الأحوال. لم تسقط قلعة الباستيل، ولا ثمة ما يشبه حريق الرايشتاغ، ولم تطلق في الفجر رصاصة واحدة بعد. ومع ذلك فإن الهجوم قد تم حقا وحقيقة، وتكلل بالنجاح: لقد استولى التافهون على السلطة”.
وقد كان لا بد من الاستدلال بتلك المقولتين، لإظهار ما في الكتاب المهم من توصيف علمي مدروس لما آلت إليه الحياة، بعد أن سيطرت أفكار الرداءة والانحطاط، لتصير معيارا في الحكم على الآخرين، وللحكم أيضا بالمطلق.
أعترف أن الخروج من بوابة الكتاب الأخيرة، توصل القارئ المعني بالنص بشكل أو بآخر لحالة من الغضب والرفض والشعور بالظلم أحيانا. فالكتاب خطير إن وقع بين يدي أحد الطرفين؛ من ساهم في صناعة هذا العالم التافه بحسب توصيف الكاتب، ومن وقع في براثنه محكوما بسيطرة الرأسمالية الفكرية والسياسية والثقافية.
أمر أخير، الترجمة بغاية الروعة والتشويق والبلاغة الأدبية، تنبئ بمترجمة عربية جديدة، ذكية وحساسة وانتقائية بشغف يحترم.

مقالات ذات صلة