كُن “حراً” يا بني

بقلم حسين رولشدة

حرير – هل فكرت ان تكتب «وصية» لابنائك..؟
اعرف – بالطبع – ان هذا الجيل الذي خرج من رحم خيباتنا لا يثق بنا ولا يصدقنا، ولا يكترث بما نقدمه له من نصائح او وصايا، اعرف ايضا ان تجاربنا في هذا العالم العربي المنكوب بالحروب والهزائم اربكت ابناءنا عن التمييز بين الصواب والصواب، ودفعتهم الى الهروب من ذاتهم ومن بلدانهم، وربما من ملتهم الوطنية والدينية بحثا عن الخلاص من الفشل، اعرف – ثالثا – ان النصيحة كانت فيما مضى بـ»جمل» لكنها الان لا تساوي «قشرة بصلة».
ما علينا، فمن واجبنا ان نترك شيئا  (ولو كلمة) لابنائنا، لعلهم في لحظة ما يحتاجونها، و ربما تسعفهم في فعل ما لم نستطع ان نفعله، لا اتحدث هنا عن الوصايا بمنطق «الورثة» او «الاستذة» او «الهداية « فتلك عناوين لا تخطر في بالي لانها متعلقة بما هو خارج عن قدرتنا نحن الاباء وعن ارادتنا ورغباتنا ايضا.
في الكتب (الالهية) الثلاثة المقدسة، ثمة اشارات واضحة الى مجموعة من التعاليم و(الوصايا) والقواعد التي تضبط حراك البشر، وتهذب سلوكهم، فقد تضمن العهدان القديم والجديد – مثلا – (الوصايا العشر) التي انزلها الله تعالى على النبي موسى (الوحدانية، تقديس الخالق، احترام الوالدين، ثم لا تقتل، لا تزنِ، لا تسرق، لا تشهد بالزور..) وهي ذاتها التي يؤمن بها اخواننا المسيحيون، وتعتبر جزءاً من الشريعتين اليهودية والمسيحية.
لدى اليهود نحو 613 وصية، ولدى المسيحيين نحو ذلك، اما في القرآن الكريم فقد اطلق بعض الفقهاء على ما ورد في سورتين منه اسم (الوصايا العشر): احداهما سورة الانعام (قل تعالوا اتل ما حرم عليكم ربكم) الخ.. والاخرى سورة الاسراء (وقضى ربك الا تعبدو الا إياه..) وقد ورد عن ابن عباس – مثلا – ان آيات سورة الانعام هن (ام الكتاب).
في القرآن الكريم – ايضا – سورة باسم (لقمان)، وفيها يقدم هذا الرجل الحكيم الذي قيل انه عاصر سيدنا داود عليه السلام وعاش في بلاد النوبة، عدداً من الوصايا لابنه (يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم)
(يا بني اقم الصلاة وأمر بالمعروف وانهى عن المنكر واصبر على ما أصابك ان ذلك من عزم الامور).
الوصايا – بالطبع – نتاج تجربة انسانية او هي خلاصة وتتويج لها، وتنم عن حكمة ، وفي تراثنا العربي الاسلامي تحتشد أدبيات كثيرة تجسد هذه القيمة، وقد لا يخلو مصنف لكبار ادبائنا وشعرائنا القدماء من هذه (الوصايا) التي توزعت على ميادين التربية والسياسة والدين وغيرها.
ماذا اوصيك يا بني اذا ..؟  ساترك كل ماذكرته سلفا، فبوسعك ان تقرأه من الكتب، فقط سأبعث اليك بوصية بكلمة واحدة : « كن حرا»، فالحرية وحدها ( متى كان العقل مرشدها) تمنحك الانسانية بكامل اناقتها، تمنعك من الكذب والخيانة، وتحررك من الخوف وتحصنك من الرذيلة والدنايا، ترتقي بك الى أن يبلغ عدد الوصايا  مقامات العزة والكرامة والرضى، تعيد اليك ما افتقدته من امان وطمأنينة، وتحلق بك في فضاء واسع لا حدود له ولا سقوف.
باختصار،انت حر يا بني، اذا انت انسان .

مقالات ذات صلة