بأسُهم بينهم شديد

حلمي الأسمر

حرير- انشغلت منذ سنوات بقراءة ظاهرة التآكل الذاتي التي تتفاعل في أعماق التجمع الصهيوني في فلسطين، وكنت في كل مرّة أمسك بخيط بحث معين، يقودني إلى نتيجة واحدة، أن هذا الكيان، مهما بلغ من قوة وجبروت، لا مستقبل له، وهو زائل لا محالة، لأنه يحمل بذرة فنائه في أحشائه، ولكن المسألة فقط متعلقة بالوقت. وهنا المفارقة الواقعة في منطقة حرجة، فمعنى أن يحمل الكيان بذور فنائه، لا يعني بالضرورة انتظار لحظة الانفجار الذاتي، والجلوس عن مقاومته بكل السبل الممكنة، بل على المتضرّرين من هذا المشروع الشيطاني، وما أكثرهم، محاصرته ومقاومته، لأنه مصدر معظم الشرور في هذا العالم، ومصدر كل الشرور في منطقتنا العربية.

دوليا، هو مصدر لترويج الرذائل كلها، ومنجم للمرتزقة وعصابات الإجرام، ومن يتاح له الاطلاع على ما يتم كشفه من ملفات المخابرات الصهيونية، أو يتسرّب بهذه الطريقة أو تلك، يصاب بالصدمة لفداحة عقلية الإجرام التي تتحكّم به، التي طاولت حتى اليهود أنفسهم، فالتاريخ يحدّثنا عن أكثر من واقعة قتل جهاز الموساد يهودا، تحقيقا لأهداف معينة (نشرت صحف عبرية وثائق عن قتل الموساد يهودا مغاربة لتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وأغرق يهود سفينة مهاجرين يهود، بل ينقل المؤرخ يغآل بن نون عن وزيرة خارجية الكيان في حينه غولدا مائير قولها إنه لا بد من قتل يهود لحثّ يهود على الهجرة للكيان). والأمثلة كثيرة، سواء التي ارتكبت في البلاد العربية إبّان النكبة لتهجير اليهود العرب، أو التي كانت لتحقيق مصالح معينة للكيان، بغضّ النظر عن طبيعة العلاقات التي تربطه بهذه الدولة أو تلك، والتي تشهد نشاطات الجهاز الإجرامية، بل إن الجهاز نفسه مزوّد بفتوى “شرعية” من كبار الحاخامات تبيح الاتجار بالبشر، واستعمال الجنس والرذيلة لتحقيق أهدافه، حتى لو لزم الأمر استخدام فتيات يهوديات لهذا الغرض الخسيس، بل إن وثائق ودراسات كثيرة تقول إن معظم تجار الموت والمجرمين الدوليين يجدون ملاذا آمنا في الكيان، ويجري استخدامهم في تنفيذ مهماته القذرة في البلاد المختلفة، ناهيك عن الاتجار بالمخدّرات والمواد الممنوعة التي تشكل خطرا على حياة الإنسان، ومن يفتش في السجلات السرّية لدول استبدادية كثيرة يجد أن أجهزة القمع لديها تستخدم “تكنولوجيا” الموت الصهيونية، سواء كانت أجهزة تعذيب أو مواد سامّة، أو خبرات وفنونا “متقنة” للحصول على المعلومات من “المشبوهين!” الذين يتم إلقاء القبض عليهم بتهمة “تقويض” السلطات المستبدّة، والوقوف في وجوه الظلمة!

وإلى هذا وذاك، تُبدع الذهنية الصهيونية في إنتاج أجهزة التجسّس الشخصية وسرقة المعلومات الشخصية، سواء من الأفراد أو المؤسسات الرسمية، دونما أي اهتمام بما تواضع عليه البشر المتحضّرون من احترام الخصوصيات أو حرمة الأسرار الشخصية. وفي المجمل، تعيث أجهزة الكيان السرّية المنتشرة في طول الكرة وعرضها فسادا في الأرض، وتنشر الشرور، وتساهم في صناعة الإجرام والقتل والموت، ولا تلقي بالا لحقوق إنسان أو كرامة بشر، فالآخر هو من “الأغيار” ويستحقّ الموت، لأنه بلا روح “مكرمة” كروح اليهودي.

أما على صعيد الإقليم الذي أقيم فيه الكيان المجرم، فالمنطقة تحولت إلى كتلة من اللهب منذ اللحظة التي وطئت بها أول قدم مستوطن صهيوني في البلاد المقدسة، فقد بدأ الاستيطان يتسلل إلى بلادنا خلسة في البداية، منذ ما يربو على مائة عام، وشيئا فشيئا تحوّل إلى ورم سرطاني أشعل المنطقة بالحروب والفتن والمذابح، ولعب دورا فاعلا في صناعة الأزمات، ودعم بقوة قوى الاستبداد والظلم، سرّا، في البداية، ثم علانية وجهارا نهارا في ما بعد في ما سمّى “التطبيع”، ولم يعد يخجل من تعامل معه بسرّية منذ ما قبل قيام الكيان وفي أثناء قيامه، من المجاهرة بعقد الاتفاقات معه، وإقامة التحالفات والمشاريع المشتركة.

قل مثل هذا وأكثر منه حين الحديث عن كيان العدو قوة احتلال، فالأمر هنا يحتاج مجلدات ضخمة، تحوي ملايين الصفحات عن الجرائم التي ارتكبها الكيان، ولا يزال، ضد السكان الأصليين من أهل فلسطين، فقد ابتدع فنونا وقوانين لا تخطر على بال الشياطين في تطبيق سياسة التطهير العرقي والفصل العنصري، والقتل والبطش، وسجل الإجرام ما زال مفتوحا، وتاريخ المذابح الجماعية والفردية حافلٌ بالدم، ولا يكاد يمر يوم يوم من دون أن يقتل مجرمو الكيان مواطنا فلسطينيا أو يعتقلوا مجموعة من أبناء هذا الشعب المناضل الذي يصنّفه الاحتلال باعتباره “إرهابيا”، فقط لأنه يدافع عن أرضه وعرضه وشجره وحجره.

ولأن بذرة الإجرام تسكن الذهنية الصهيونية، وتتغذّى على دم البشر، استشرى هذا المرض في تلافيف جهاز “الدولة” فبدأ استدارته المنتظرة، وبدأت النار التي أشعلها القتلة تأكل نفسها، فذهنية كالتي تنتج الجريمة تجاه “الآخر” لا بد أن تتحوّل، لفداحتها، لتأكل نفسها، ولئن كانت هذه الظاهرة مختبئة داخل الكيان، ولا تكاد تُرى في أزمنة ماضية، فهي الآن كبرت وترعرعت، وبدأ الإرهاب يصبح يهوديا – يهوديا، بعد أن كان يهوديا – عربيا، ولربما تكون حكومة نتيناهو الإجرامية التي تضم لفيفا من اللصوص ورجال العصابات وأصحاب الأسبقيات البداية الحقيقية الصارخة لانفجار الكيان داخليا، والدلائل على هذا كثيرة، لم تبدأ بالتظاهرات ضدها، ولن تنتهي بسعي نحو 90% من سكان الكيان للحصول على جواز سفر ثان، استعدادا للحظة العودة إلى حيث جاؤوا.

إن كيانا يتغذّى على الكراهية وإرهاب الدولة المقونن لا يمكن أن يعيش إلا في ظل أجواء الحروب والكوارث، ووجود الأعداء والجيوش التي تهدّده، واليوم وقد جرى تحييد كل جيوش العرب أو تدميرها، وتم عقد معاهدات “سلام” مع عدد غير قليل من دولٍ يفترض أنها كانت في خانة الأعداء، بدأت بذرة الشعور بالأمن الكاذب والقوة المفرطة تفتك بالكيان، فعصابات القتلة تعتاش على الدم، وهي غير مصمّمة للتعايش مع “السلام”!

مقالات ذات صلة