سقوط الإيكونوميست

سلطان الخلايلة

خليط من الإشاعات والمغالطات وسوء النيّة كانت وصفة مكونات مقالةٍ نُشرت في مجلة “إيكونوميست” بعنوان “،الأردن أمام مأزق.. هجرة الحلفاء وتزايد العقبات”، المقالة غُثاء ليس بجديد فهي مادّة ردحِ ما يسمى “بالمعارضة الخارجية” وهي عصارة حقد على المملكة الصامدة وملكها المحبوب، تُنفث بين الحين والآخر وإن اختلف حجم الأفعى التي يصدر عنها هذا السم.

المقالة بنت جميع أحكامها المغلوطة على تصريحات لـ(مسؤول سابق، هتاف حراكي، شيخ من بني حسن، وزير سابق)، وهم لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، ولا يتجاوز تمثيلهم في المجتمع الأردني ذلك بكثير، فـ”المسؤول السابق” شريحة فيها الفاسد والحاقد والباحث عن إعادة التوزير، ويستطيع أي أردني أن يسميهم ويقول لك ما هي “اسطوانتهم” المعروفة، أما “هتاف الحراكي”، فأيضاً يستطيع أي حراكي متوازن أو مواطن متابع أن يسمي ثلّة قليلة من المنحلّين أخلاقيّاً وحاقدين سياسياً يمتهنون مهنة “الحراك” ويبثون حقدهم على شكل هتاف بذيء وهم معروفون بالإسم ويتكررون في كل مرة، وأما شيخ بني حسن؛ فتحضرني نكتة الأردنيين: ” رخصت العبي وكثرت”، و”المستشيخين” في هذه الأيام أكثر من “الهمّ على القلب”، وكون الموضوع يرتبط بعشيرتي التي أعتز وأفتخر، فالأكيد أن “عشيرة المليون” أردنية الانتماء هاشميّة الولاء ولا مزاودة أو تشكيك في ذلك، وإن كان هناك حالات فردية لا ترقى إلى أدنى مستوى من التمثيل فهذا لا يمثّل الشيوخ الذين يشار إليهم بالبنان ومواقفهم معروفة ولا لبني حسن قبيلة الجند والعسكر و”المدرسة”، فالمستشيخ منبوذ ألاً وباحث عن اهتمام ومواقفه للبيع والشراء، وأما الوزير السابق الذي نقلت عنه المجلة، فهذا بالتحديد منبوذ من المجتمع السياسي والأهلي، هو أقرب للخرف والهذي منه للواقع، وليس أدلّ من طرده مؤخراً من ديوان قبيلة عريقة هو وشرذمته القليلة على نبذه وشذوذه عن المجتمع الأردني، علاوة على معرفة الجميع ببعض الوزراء المستوزرين أو المبتزين للسلطة إما لتغطية فسادهم أو بحثاً عن إعادة تدويرهم في مناصب الدولة -ونعرفهم بالإسم أيضاً-. إذا مصادر “الإيكونوميست” تسقط على مستوى “تمثيل المجتمع” وتسقط على مستوى “المصداقية” كذلك.

أما التحليل؛ فهو في ديباجة غالبية المقالات الأجنبيّة التي تتحدث عن شأنٍ عربي، مصادرها مشوّهة ومعطياتها مغلوطة ونيّتها مشوبة، لذلك حتماً سيكون المُخرَج “مسخاً”، وإن كان المقال لا يتسّع للرد على كل فِرية او مغالطة إلا أننا نكتفي ببعضها؛
أولاً: حول احتفالات المملكة بالعيد العشرين للجلوس الملكي، (فقد أوردت المجلة أن الاحتفال كان في 7 شباط، وتحت عنوان (كلنا الملك عبدالله) ولم يحضره أحد و”المناسف” فشلت في جذب الأردنيين)، والحقيقة الأولى أنه لم يقام في الأردن احتفال للذكرى الـ20 للجلوس الملكي في 7 شباط، والحقيقة الثانية أنه لم يقام حفل بالعنوان المذكور، والحقيقة الأكبر أن المناسبة أصلاً ليست في شباط بل في التاسع من يونيو، فكيف يُحتفل بمناسبة قبل أربعة أشهر!!، ناهيك على أن المناسف لا تقدم في الاحتفالات الوطنيّة وأنا من البيئة التنظيمية أو التنسيقية لكثير من الاحتفالات الوطنية وحاضر على غالبيتها إن لم يكن جميعهاً، بالإضافة إلى أن الفترة الماضية شهدت وعلى نحو غير مسبوق مسيرات وتجمّعات حاشدة في مختلف مناطق المملكة تأييداً ودعماً لموقف جلالة الملك حول القدس والقضية الفلسطينية، والاحتفال بذكرى الجلوس الملكي هذا العام يشهد حشود كبيرة في عشرات الاحتفالات الممتدة على مساحة الوطن كسابقاته من المناسبات الوطنية.

ثانياً: أما حديث المجلة عن (غضب دول على الملك، وعدم الاهتمام بالأردن، والضغط من دول عربية وإقليمية…الخ) فهذه كلها ضرائب معروفة لدينا ندفعها لمواقفنا المشرّفة تجاه الأردن وفلسطين، والأردن الرسمي يعن ذلك عبر تصريحات مباشرة من جلالة الملك، وكذلك الأردن الشعبي يعرفها تماماً ويستشعرها لذلك انتفض دعماً لمواقف الملك.

ثالثاً: وفي الحديث عن مؤشرات الأزمة الاقتصادية الداخلية، فهذا وضع قديم جديد، لكن المملكة تتعافى ولو على نحو بطيء، وهذا إنجاز فالاستقرار والثبات بحد ذاته مؤشر إيجابي في ظل الدمار والنار والأزمات التي تعصف بالمنطقة برمتها وتأثرت بها حتى دول المال والأعمال والنفط، فما بالكم بدولة معدومة الموارد، وعلى الرغم من ذلك فإن الأردن ضرب مثالاً في الصمود والتقدم في ظل فقدان غالبية المساعدات الخارجية والتي لم ترصد “لسواد عيون الأردن” بل لآثار الحرائق المشتعلة التي يتحملها الأردن وحده على شكل لاجئين وتهديدات أمنية وتأمين حدود…الخ، وهو ما أشارت إليه المجلة، لذلك هذا ليس مأخذ على الأردن بل هو أقرب إلى قصّة نجاح على الرغم من وجود مواضع خلل وقصور معترف بها وتحارب من الملك شخصيّاً.

رابعاً: حول غمز المجلة بالحديث عن (الملكة رانيا والأمير حمزة)، فالأردن دولة مؤسسات ودستور سائد على الجميع، يفصّل نظام الحكم الذي يحظى بإجماع والتفاف شعبي ومؤسساتي، وهذا لا خلاف عليه، ويظهر ذلك في تفاعل العائلة الحاكمة في الأردن مع مجتمعها الأردني عبر ملوكها وأمرائها فقد عهد عنهم التواضع والرقي الأخلاقي والحب المتبادل وهذه صفة ملازمة لجميعهم من الملكة رانيا لكافة الأمراء الأمير الحسين والأمير الحسن والأمراء علي وحمزة وفيصل وهاشم …الخ، وجميعهم يحظون باحترام عالي من العشائر الأردنية والبوادي والقرى والمدن، وما أن يحل أحدهم في مكان إلا ساده الفرح والاحتفاء بالأمير الهاشمي، ويستطيع أي شخص رؤية ذلك في أي زيارة أو موقف لفرد من الهاشميين على حد سواء.
وبكل صراحة فإن الحديث الاجتماعي بنعرات (تحدثت عنها المجلة) فيجب وضعه في مكانه الموضوعي والحقيقي فهو محصور و يأتي في سياق اجتماعي وليس سياسي وهذا أمر مهم، كما يأتي كحديث أو “تنفيس مجتمعي” أو نكات وليس كمواقف، فهو لا يتجاوز كونه ظاهرة كلامية تحدث بين الشخص وابن عمه، وبين الفخذ من العائلة والأفخاذ الأخرى وبين القبيلة وشقيقتها، كما يحدث بين الأحياء والحارات والمناطق والمحافظات والأقاليم والعالم.

مقالات ذات صلة