غزة بعد الحرب.. الخيار الغائب

سميح المعايطة

حرير- منذ الفترة الأولى للعدوان على غزة بدأت سلسلة الاقتراحات والسيناريوهات القادمة من أوروبا وأميركا وإسرائيل لمرحلة ما بعد العدوان ومن سيحكم غزة، وتابعنا جميعا تلك الأفكار التي استبعدت بقاء الاحتلال الإسرائيلي لغزة وكان التفكير يتحدث عن قوات وإدارة عربية وقد تم رفضها بشكل قاطع عربيا وتحديدا من الأردن ومصر، ثم كانت فكرة الإدارة الدولية، وبعدها تحدث الرئيس التركي أردوغان عن موافقة بلاده على المشاركة في الهيكل الأمني الذي سيدير غزة، وأخيرا كان تصريح الرئيس المصري بأن تكون هناك دولة فلسطينية على أراضي عام 67 وعاصمتها القدس الشرقية وأن تكون دولة منزوعة السلاح وفيها كل الضمانات.

كل الاقتراحات الأوروبية والأميركية كانت تقوم على استبعاد حماس من المعادلة وأنها مع نهاية الحرب لن تكون ذات حضور، وأيضا لا تضع في الاعتبار وجود السلطة الفلسطينية وحتى من تحدث عن عودة السلطة لحكم غزة فقد تعامل معها باعتبارها أداة للحفاظ على أمن إسرائيل وليست مسارا لإعطاء الفلسطينيين حقوقهم.

عربيا وأردنيا كان الحديث عن أولوية وقف العدوان، وأن تكون مرحلة ما بعد الحرب سياسية وليست أمنية أي وجود عملية سياسية تؤدي لإعطاء الفلسطينيين حقوقهم الوطنية على أرضهم وفي مقدمتها الدولة الفلسطينية الحقيقية، وهذا المسار السياسي يغلق الأبواب أمام كل المخططات الصهيونية التي لم تعد سرية وخاصة التهجير.

كل الخيارات التي تمت دراستها أميركيا وأوروبيا اعتمدت على أن إسرائيل ستغير واقع غزة السكاني والسياسي، لكن ربما تضعف فرص كل ما تم طرحه من سيناريوهات إذا توقفت الحرب عند مرحلة السيطرة العسكرية الحالية أي في شمال غزة، وتعاملت إسرائيل مع الأمر عبر إجراءات أمنية مثل منطقة عازلة وغيرها من الخيارات الأمنية ولم يحدث التهجير بل تحول إلى تجميع لمعظم أهل غزة في الجنوب والاكتفاء بهذا الخيار، عندها سيكون كل ما حصل تقليص غزة جغرافيا وزيادة صعوبات الحياة فيها لكن وضعها السياسي لن يتغير.

ربما هناك ما يمكن تسميته بالخيار الغائب الذي سيصنعه الميدان وستقرره النهاية العسكرية لهذه الحرب العدوانية، فما كان من حديث في بداية الحرب تغير جزئيا مع مرور الأسابيع، وما زال التفكير الإسرائيلي يبحث عن حلول أمنية سواء كانت تأتي من السلطة الفلسطينية أو عربية أو دولية، وما زال يفكر بعقلية الشرطي وليس الباحث عن حل سياسي يغلق أبواب القلق والتوتر.

وربما يكون الخيار الغائب تغيرات في الأولويات الإسرائيلية في الحرب بحيث نشهد بعد فترة مسارا تتوقف فيه عمليات العدوان العسكري تحت مبرر البحث عن صفقة تبادل للأسرى شاملة وتكون ضمن سياق سياسي وفق الواقع الجغرافي الجديد، وأيضا استجابة لما تطلبه أميركا اليوم من إسرائيل بعدم تكرار تجربة العمليات العسكرية في جنوب غزة كما كان الأمر في شمالها، أي التوقف حيث هي خريطة الجغرافيا والسكان اليوم دون الذهاب إلى استكمال الهدف المعلن للعدوان وهو تهجير نسبة من سكان غزة الى مصر.

أن تعود العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة خيار لا يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تتجنبه لكن مدة العمليات القادمة وأهدافها أمور قابلة للتغير، وبالتالي فان كل ما كان يقال من سيناريوهات يمكن ألا يكون صالحا للتطبيق ونعود مرة أخرى إلى الخيار الغائب حتى الآن.

مقالات ذات صلة