تعالوا نُعرّف المواطنة… جمانة غنيمات

 

يبدو أن اللبس كبير عند حكومة الدكتور هاني الملقي حول مفهوم المواطنة، فهي تراها من ثقب ضيق لا يتجاوز أن يدفع الناس الضرائب ليحلوا مشاكل مالية تسببت بها الحكومات، وليس دافع الضريبة الذي أرهقه غياب الرؤية الشاملة للإصلاح.
آخر تقليعات الحكومة أن مشروع قانون ضريبة الدخل، هو تكريس للمواطنة الحقة، لذا يلزم على الأردنيين أن يدفعوا للحكومة التزاما منهم بمواطنتهم، وعليهم أن يتحملوا الكوارث التي تسببت بها الحكومات السابقة من مشاكل مالية ما تزال الموازنة العامة تعاني منها ولا ندري متى ستنتهي.
والظاهر أن قصور الفهم لفكرة المواطنة التي تقوم بالأساس على الحقوق والواجبات، لا ترى الحكومة منها إلا الشق المتعلق بواجبات الناس، فيما تغفل عن الحقوق التي عليها أن تؤديها، ما يؤدي بالنتيجة إلى تكسير قيمنا كمواطنين، ويقضي على ما تبقى عند الأردنيين من شعور بالمواطنة.
الشواهد كثيرة على ضعف فهم المبدأ، لذلك يتبدى بوضوح الخلل في تكريس فكرة المواطنة، فقبل جمع الضرائب ينبغي على الدولة ومؤسساتها أن تؤكد حضورها كأدوات لتطبيق القانون بدون تردد لحماية أمن الناس وطمأنينتهم، وهو ما لا نلمسه؛ إذ نجد الحكومة غائبة في عديد أحداث قاسية مرت بنا خلال العامين الماضيين، وكان الغياب سببا رئيسا فيما وصلناه من تشوه وتكسير لقيم دولة القانون والعدالة.
آخر الأحداث، تلك البشاعة وذلك المشهد المستفز القائم على الفردية والغرائزية وغياب الدولة في ذهن الأردني، في حادثة مجمع جبر وما سبقها وما تلاها، لنصحو فجأة وندرك أن كل التنظير حول المواطنة وتكريسها وبناء الهوية الوطنية الجامعة يتكسر تحت هويات فرعية أقوى بكثير مما ينسجه عقل الأردني عن الدولة، لذلك ببساطة شاهدنا تلك البشاعة.
غابت الحكومة عن المشهد حتى ظن الأردني “المواطن” أنه فوق القانون، ولا سلطة لأحد عليه، وهذه نتيجة طبيعية حين لا تدرك الحكومة دورها المتكامل في تكريس فكرة المواطنة التي لا تقوم فقط على الجباية وجمع الأموال من جيوب الأردنيين، بل أيضا على تكريس فكرة العدالة والمساواة وتطبيقهما على الجميع بدون تمييز.
المواطنة بحق تعني أن نصل إلى حالة تلغى معها كل الفروق وتتبخر الهويات الفرعية، وهو ما نكتشف كل يوم أنه هدف لم يتحقق وأننا فشلنا في الامتحان، والسبب بصراحة يكمن في ضعف تطبيق القانون بحل الخلافات القائمة، أو تطبيقه بمزاجية وتفاوت بين المجموعات.
والمواطنة، أيضا، هي ضمانة الحرية الفردية، وحرية التعبير، والعدالة الحقة، والرغبة الصادقة في المشاركة بالحياة السياسية بوصف المواطن عنصراً مهماً في بناء منظومة المواطنة، وفي التغيير الإيجابي.
الحقوق الاقتصادية حجر أساس في المواطنة إن كنتم تسعون إليها حقا، فأين هي حقوق المواطن الاقتصادية، وأين نحن من الالتزام بحقوق دافعي الضرائب التي تقود إلى حصول الأردني على الخدمات الأساسية، ولا أقول الرفاهية الاجتماعية، والتي تتضمن التعليم اللائق، والرعاية الصحية الكافية، فكيف ونحن نحرم مرضى السرطان من العلاج اللائق، على سبيل المثال لا الحصر.
من جديد، بناء الأردن المدني القائم على دولة القانون وخلق مواطنة حقيقية لا يتمان بدفع الناس الضرائب، بل هي منظومة شاملة تقوم على ضمان كل الحقوق السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، حتى نصل إلى عقد اجتماعي يرتكز على أن المواطنة أكثر من سن قانون جديد لضريبة الدخل.

مقالات ذات صلة