48 ساعة” غيبوبة!… محمد أبو رمان

 

يجادل مسؤولون بأنّ حادثة “اعتداء مجمّع جبر” كانت ذات طبيعة أمنية بحتة، ولا علاقة للرئيس وحكومته بها، ومن المفترض أن لا يقحموا أنفسهم بهذا الشأن الذي تتولاّه الأجهزة الأمنية. وهذا الادعاء لا يعدو كونه تملّصاً من تحمّل المسؤولية وحملها، وتفضيلاً للمبدأ الذي أصبح يحكم أسلوب عمل الوزراء، وهو “التواري عن الأنظار” والالتزام بمبدأ “سكّن تسلم!”.
لو عدنا إلى العديد من الأحداث والحوادث الماضية، وبدرجة واضحة مع الرئيس الحالي، هاني الملقي، سنجد أنّ هذا المبدأ -أي التواري عن الأنظار- يعمل بصورة فاعلة تماماً، ولعلّ أبرز تلك الشواهد حادثة السفارة الإسرائيلية في عمّان؛ إذ انتظرت الحكومة والمسؤولون قرابة يومين كاملين، وهم يرون كرة الثلج المتدحرجة تكبر أمامهم، وكانوا ينتظرون عودة الملك بالخارج لإيقافها، والحال نفسها تنطبق على احتجاجات وأحداث عديدة أخرى!
ما حدث في مجمّع جبر، والأهم ما وقع قبله (من حيثيات) وبعده (من تداعيات) ليس شأناً أمنياً محضاً، بل يقع في صلب العلاقة بين المواطن والدولة، والمفاهيم التي حملتها الحكومة الحالية نفسها وادّعت بأنّها لواؤها وشعارها للمرحلة المقبلة، وأقصد؛ دولة القانون وهيبة الدولة، والدولة المدنية، بينما انتظرت الحكومة قرابة 48 ساعة، إلى أن وصلت أحداث الشغب الاجتماعي وردود الأفعال لما يهدّد السلمين الاجتماعي والأهلي، وحجم الدمار الرمزي لصورة الدولة، ومستوى القلق لدى المواطنين إلى أعلى الدرجات، عندها بدأ “الحسّ السياسي” المتبلّد يتحرّك، وإن كان العنصر الرسمي الفاعل بالأزمة بقيت الديناميكيات الأمنية.
الحكومة الحالية لديها فقر دم واضح بالحسّ السياسي، وعدم إدراك لأهمية عامل الوقت دوماً، والتأخر في قراءة أبعاد وتداعيات بعض الأحداث والأزمات، وكأنّها غير مسؤولة إلاّ عن مهمة “الخدمات” اليومية، أو حكومة تصريف أعمال، لا أكثر!
ماذا كان يمكن أن يفعل الرئيس أو “مطبخه السياسي”، بمن فيهم نائبه الجديد، جمال الصرايرة، الذي من المفترض أن يقوم بمهمات سياسية لرأب الصدع الهائل بين الحكومة والشارع؟ الأمر ببساطة كان يحتاج إلى “رسالة سياسية” ورمزية، تقول للمجتمع والشارع وأطراف المشكلة: “نحن هنا، هنا الأردن؛ دولة القانون والمؤسسات والمواطنة”. لم يكن الأمر عسيراً أو صعباً أن يخرج الرئيس أو نائبه أو أحد الوزراء أو المسؤولين الكبار فور صدور الفيديوهات والكشف عن التسجيلات الخطيرة، ليخاطب الشعب الأردني، ويقول لهم “هذه الحادثة لن تمرّ مرور الكرام، وسنجلب المعتدين لينالوا أقصى العقوبة من القضاء، وسيكون سيف الدولة مصلتاً على من يحاول انتهاك القانون، ولن نقبل بأن يقفز أحد عن الدولة ويحاول أخذ القانون بيده، وإذا حدث ذلك، فسوف نحزم حقائبنا ونقدّم استقالاتنا، لأنّنا عندها لسنا حكومة المملكة الأردنية الهاشمية، ولسنا مؤتمنين على الاستقرار وحماية القانون والمؤسسات ومفهوم الدولة نفسه!”.
هذا هو الخطاب الغائب المفقود، الذي انتظره الناس، بلا جدوى ولا فائدة، لذلك عندها تحرّكت المؤسسات الاجتماعية الأخرى وحدث الهرج والمرج، وشعرنا لساعات -نحن المواطنين الأردنيين- أنّنا في مرحلة “ما قبل تأسيس الإمارة!”.
أتمنى -للمرة الأخيرة ونحن نعلّق على الأحداث الخطيرة- أن يكون هنالك في “أوساط القرار” من يقرأ ما حدث بعمق وذكاء ودراية سياسية حقيقية، وأن نتعلّم من الدرس، لأنّ حجم الضرر النفسي والرمزي والسياسي -في ظني- أكبر من مستوى قياس الذكاء لبعض المسؤولين!

مقالات ذات صلة