دول تصريف أعمال… فهد الخيطان

دول تصريف أعمال… فهد الخيطان

لا تغير الانتخابات في لبنان معادلة الحكم القائمة على المحاصصة الطائفية، لكن نتائجها هذه الدورة حملت تحولا ملموسا في ميزان القوى بين الفريقين الرئيسيين في الحياة السياسية، يصب لمصلحة حزب الله وحلفائه في الوسطين السني والمسيحي، مقابل انحسار نفوذ تيار المستقبل بزعامة رئيس الوزراء سعد الحريري، مثلما سجل شريكه في الترويكا الحاكمة رئيس الجمهورية وزعيم حزب التيار الوطني، ميشيل عون، خسارة فادحة في مناطق نفوذه التقليدية.

معادلة جديدة ربما تجعل من الصعب على الحريري تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات مع تزايد قوة منافسيه في الوسط السني.

لكن ماذا يعني ذلك للبنان في المستقبل؟

ستدخل القوى السياسية المشكلة للبرلمان الجديد بمفاوضات ماراثونية وجولات استمزاج سياسية يقودها في العادة رئيس الجمهورية للتوافق على شخصية رئيس الوزراء المكلف بتشكيل حكومة.

وفي ضوء مخرجات العملية الانتخابية التي تجري لأول مرة وفق نظام التمثيل النسبي “الطائفي”، لن يكون سهلا على رئيس الجمهورية العثور على شخصية توافقية تحظى بموافقة أغلبية الفرقاء السياسيين.

حلف حزب الله وحركة أمل المنتشي بالنصر لن يقبل عودة الحريري، وسيسعى لترجمة انتصاره سياسيا بإبعاد الحريري والتيار المحسوب على السعودية عن واجهة الحكومة.

وبالنتيجة، لبنان سيراوح لفترة طويلة في المرحلة الانتقالية وتحت إدارة حكومة تصريف أعمال لفترة زمنية غير محددة.

المعنى، أن الانتخابات التي تأخرت تسع سنوات، ستضيف مزيدا من التعقيد للبنانيين ولن تجلب لهم الاستقرار السياسي المنشود، ولذلك انعكاس مباشر على مصالح الناس وحياتهم. مرحلة من الشلل السياسي كالتي عاشها لبنان مع الفراغ الرئاسي ومن قبل مع استقالة الحكومات السابقة.

المرجح أن العراق سيواجه الوضع السياسي المعقد نفسه بعد الانتخابات المنتظرة الأسبوع المقبل. العراق مثل لبنان محكوم بمبدأ المحاصصة الطائفية، وداخل كل طائفة ثمة صراع لا ينتهي بين الأقطاب السياسيين، يحول دون بناء توافقات تمثل الأغلبية النيابية، ويترك البلاد رهينة صفقات ومساومات لا تنتهي قبل مرور أشهر طويلة، والنتيجة؛ دولة تصريف أعمال حتى إشعار آخر.

هذا هو مأزق الديمقراطية والانتخابات في بلداننا؛ أفضل ما أنتجته البشرية من أساليب الحكم، يخضع في الممارسة العملية لواقع يفضي لعكس النتيجة المأمولة، فتأخذ الديمقراطية في بلداننا صفات المجتمعات؛ طائفية وقبيلية وجهوية وعسكريتارية، ومحاصصات بدائية لا تمت بصلة لمفاهيم المجتمعات المعاصرة، التي تعد شرطا لا بديل عنه لنجاح الديمقراطية ومبدأ التداول السلمي للسلطة بين قوى سياسية برامجية، لا تعرف معيارا غير المواطنة المتساوية وسيادة القانون.

سنوات الربيع العربي كشفت ما كان غائبا عن وعينا، أو ما نعلمه ولا نود الاعتراف فيه، حول مدى قدرة المجتمعات العربية على التكيف مع شروط الديمقراطية. والمؤكد أن علماء السياسة والاجتماع اخترعوا مصطلح “المرحلة الانتقالية” لمعالجة حالة كمجتمعاتنا، على أمل أن تكون فرصة لهذه المجتمعات لعبور المرحلة الانتقالية بأقل قدر من الفوضى والحروب. لكننا على رفضنا هذه الوصفة الطبية ونصر على سلوك الطريق الطويلة التي سلكتها من قبل المجتمعات الغربية، بما فيها من تضحيات وعذابات قبل بلوغ المرحلة النهائية.

مقالات ذات صلة