الأرض تحترق… فهل من عقلاء؟

خالد دلال

حرير- بينما تنشغل البشرية بحروبها التي لا تنتهي منذ فجر التاريخ، فإنها قد لا تدرك أن الخطر الأكبر والأوحد والوجودي الذي تواجهه هو ثوران الطبيعة في وجهها بلا رجعة، بحيث “لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ”.

كل ذلك بفعل أيدينا التي عاثت فسادا في الأرض، والتي باتت، كل شهر تصاعديا، تسجل أرقاما قياسية في ارتفاع درجة حرارتها، وما يؤججه من كوارث طبيعية في شرق المعمورة وغربها.

الأرقام ليست بصالح البشر. فها هو مرصد كوبرنيكوس لتغير المناخ، التابع للاتحاد الأوروبي، يعلن مؤخرا “أن الأرض سجلت الشهر الماضي رقما قياسيا جديدا للحرارة العالمية للشهر العاشر على التوالي، حيث بلغت درجات حرارة الهواء والمحيطات في العالم أعلى مستوياتها على الإطلاق”. وبحسب وكالة أسوشيتدبرس، “فإن متوسط الحرارة فى شهر مارس 2024 بلغ 14.14 درجة مئوية”، لتتجاوز السجلات السابقة. هذا “وكان متوسط درجات الحرارة العالمية في الفترة من أبريل/نيسان 2023 إلى مارس/آذار 2024 أعلى بمقدار 1.58 درجة مئوية مقارنة مع المتوسط في فترة ما قبل الثورة الصناعية بين عامي 1850 و1900،” بحسب مرصد كوبرنيكوس.

ارتفاع درجات حرارة الأرض ليس بالأمر الهين كما يعتقد البعض، وليس كما يتوهم آخرون بأنه جزء من دورة الطبيعة، حيث ينتج عن ذلك كوارث بمليارات الدولارات، إضافة إلى مقتل الملايين من البشر في حال استمرار استعار حرائق الغابات، وحالات الجفاف المزمنة، وتكالب الأعاصير، وذوبان الجليد في قطبي الأرض بشكل جنوني، وارتفاع مستويات مياه المحيطات وما ينتج عن ذلك من أمطار غزيرة غير مسبوقة وفيضانات مدمرة وغير ذلك الكثير.

خذوا شرقا مثلا ما يحدث في روسيا وكازاخستان هذه الأيام من فيضانات مدمرة، كان من حصيلتها حتى اللحظة “إجبار أكثر من 110 آلاف شخص على ترك منازلهم في جبال الأورال الروسية وسيبيريا وكازاخستان، بعدما فاضت السدود بمياه الأنهار الكبرى”، وفقا لشبكة CNN الإخبارية.

أما غربا، فها هم رؤساء دول أمريكا الجنوبية يعلنون، الواحد تلو الآخر، حالات الطوارئ في بلادهم بفعل استعار حرائق الغابات، والتي باتت، في بعض الأحيان، تخرج عن السيطرة. والأمثلة عديدة.

هناك إدراك عالمي لحجم كارثة التغير المناخي التي تواجه الأرض، نتيجة للطمع البشري الجنوني، وخصوصا ما ينتج عن حرق الوقود الأحفوري من نفط وغاز وفحم، ما يتسبب في استعار ظاهرة الاحتباس الحراري، إضافة إلى جنون ظاهرة النينيو، والتي ترتبط بارتفاع درجة حرارة المحيط الهادئ، ليساهم كل ذلك في جعل عام 2023 الأكثر حراً منذ مئة ألف عام!

وقد كان الإدراك واضحا في إعلان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أكثر من مرة، عن دخول الأرض في عصر الغليان العالمي، ومنه إلى ما سماه “الإنهيار المناخي”، لكن المشكلة، كانت ومازالت، في عدم اكتراث العديد من الدول بالالتزام، فعلا وليس قولا فقط، بالوصول إلى انبعاثات من الغازات الدفيئة (مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان) قريبة من الصفر، وذلك وفق اتفاقية باريس، التي أبرمت في العام 2015، “بحيث لا تزيد درجة الحرارة حول العالم عن 1.5 درجة مئوية”.

خلاصة الأمر أن على البشر أن يضعوا حروبهم جانبا، والالتفات والعمل سويا خدمة لقضيتهم الوجودية الأهم، والتي تكمن في مجابهة التغير المناخي قبل فوات الأوان، طالما لا يوجد هناك كوكب آخر نتقاسمه مثل أرضنا لو أحسنا معاملتها. فهل من عقلاء؟

مقالات ذات صلة