“التهريبة”……. لـ أحمد حسن الزعبي

 

ما أن تسحب الملقط الداخلي لغطاء السيارة الأمامي..حتى يسارع “الميكانيكي” لفتح الغطاء بنفسه والنظر إلى “الماتور” سريعاً..”شو مالها”؟ يقولها وهو يمسح فمه بــ”كُمِّ الأفرهول”..فترد عليه :”بتوكل زيت”!!..وفجأة يخرج المفك ويفك غطاء الماتور وهو يردد: “بدها كسكيت”..روح جيب واحد من عند “السّقِع” قله وداني عليك جمال..فتطيع الرجل وتذهب الى “السِّقِع” وتحضر كسكيت بنفس المقاس الذي تحمله بيدك..يبدله بسرعة ويأخذ أجرته…ثم بعد يوم أو يومين سرعان ما تظهر نفس المشكلة..فهناك نقصان بـ”الزيت” أضعاف أضعاف الطبيعي..تعيدها ثانية إليه..فيسألك نفس السؤال: ” شو مالها”؟؟..وعندما تشرح له العلة السابقة من جديد..يقول بثقة مطلقة “اللبّادة بدها تغيير” ثم يدير ظهره ويلتهي بسيارة أخرى..تحضر “لبادة” جديدة من عند عطوفة “الســِّقِع” ويأخذ جمال أجرته..ولكن تبقى “تهريبة” الزيت واضحة للعيان حيث تترك بقعاً سوداء في كل مكان تصطف فيه..هذه المرة تشكوه إليه..وتذكره بأنك قد غيّرت”الكسكيت” و”اللبادة” دون جدوى فــ”أكل الزيت” ما زال مستمراً .فيعزي الضياع الى “الزطمة التحتا”..يرمي كرتونة تحت السيارة وينسدح عليها ..يبدّل لك “الزطمة”..وأثناء لملمة مفكاته وأدواته عن الأرض ينصحك أن تغسل الماتور و توقفها في مكان نظيف لترى ان كان هناك “تبقيع” ام لا..في اليوم التالي ترى ان البقعة أكبر وأوسع وأكثر قتامةً من سابقاتها…وكلما أعدتها إليه ثانية سيختلق لك سبباً جديداً للتصليح تدفع ثمنه باهظاَ ، طبعاً السبب في هذا التخبّط وهذا التحزير: أما لأنه لا يعرف سبب التهريبة أو انه يعرف لكنه لا يقدر على وقفها وإصلاح الماكنة ..مع أن “تهريبة الزيت” عند الميكانيكي المحترف و-اللي بيخاف الله- معروفة أسبابها فهي أما أن تكون “بداية أفرهول” أو “راسية ماتور”..

المديونية في بلدنا مثل “تهريبة الزيت”..أذكر عندما تم تحرير سعر البنزين قبل سنوات قالوا ان الدعم المباشر لهذه المادة هو سبب المديونية العالية، فإذا تخلصنا منه تخلصنا من عجزنا ..وعندما صار البنزين يباع بسعر أعلى من السعر العالمي بضعف ونصف… بقي العجز كما هو لا بل زاد واتسع… في الشتاء الماضي عندما كان المواطن بأمس الحاجة لوقود التدفئة ، قالوا ان سبب المديونية هو دعم المشتقات النفطية .فإذا حررناها عن بكرة أبيها ..سنتخلص من عجز موازنتنا بشكل نهائي..فرفعوا أسعار المشتقات النفطية كاملة بما فيها الغاز والكاز “وقود الفقراء” .. وربحوا منها ربحاً فاحشاً..ومع ذلك بقيت ذات “ماكنة” المديونية تأكل ” زيت الدخل الاجمالي “+ جالون من “القروض” ..ومع ذلك لم يتوقف العجز أو يتباطأ ..على العكس تماماً فإن بقعة “المديونية” من شهر تشرين ثاني الماضي الى الآن صارت أكبر وأوسع وأكثر قتامةً…

الآن وبعزّ حاجة المواطن للكهرباء سيتحججون بــشدّ “زطمة” الكهرباء..وبعدها بـ”رغيف الفقير”..وأقسم لكم قسماً غليظاً مغلظاً لو رفعوا أسعار الكهرباء والماء والهواء والخبز والضرائب…لظلت المديونية تتتفشّى وتتورّم أكثر مما نتوقّع، وسيظل العجز يتزايد ويتضاعف أكثر مما نحن عليه الآن…باختصار لأن هناك “تهريبة” مزمنة وكبيرة…لا يمكن أن يوقفها تبديل كسكيت أو تغيير لبّادة او “شدّ”زطمة…

مشان الله..تحلّوا عنا.. “كشنتنا” ولّ !!

احمد حسن الزعبي

مقالات ذات صلة